
من هو أغنى رجل في التاريخ؟ في عالم مارفل الخيالي الواسع، يعرف بلاك بانثر، بأنه ليس فقط ملك “واكاندا”، بل أيضًا أغنى بطل خارق على الإطلاق.
وعلى الرغم من أن لقب أغنى شخص في العالم اليوم يتنازع عليه مليارديرات التكنولوجيا، فإن أغنى شخص في التاريخ، مانسا موسى، يشبه إلى حد كبير هذا البطل الخارق الأسود في مارفل.
صعود مانسا موسى وإمبراطورية مالي
تولى مانسا موسى حكم إمبراطورية مالي في عام 1312م، بعد أن اختفى شقيقه الحاكم الفعلي أبو بكر الثاني، الذي كان موسى نائبه، في رحلة بحرية مجنونة قام بها للبحث عن حافة المحيط الأطلسي.
جاء حكم موسى في وقت كانت فيه أوروبا تعاني من الحروب الأهلية ونقص الموارد، بينما ازدهرت إمبراطورية مالي بفضل مواردها الطبيعية الغنية، مثل الذهب والملح.
وخلال عهد موسى، توسعت الإمبراطورية لتشمل جزءًا كبيرًا من غرب إفريقيا، من ساحل المحيط الأطلسي حتى مركز التجارة الداخلية في “تمبكتو” وأجزاء من صحراء الصحراء الكبرى.
ومع توسع أراضي الإمبراطورية في ظل حكمه، ارتفع أيضًا مستوى معيشة المواطنين.
الرحلة الكبرى إلى مكة
لم يتعرف العالم خارج حدود مالي على ثروة الملك الضخمة إلا في عام 1324، عندما انطلق موسى، وهو مسلم ملتزم في مجتمع غالبيته مسلمون، لأداء فريضة الحج إلى مكة. لكنه لم يسافر وحده.
امتدت الرحلة لمسافة تقدر بنحو 4000 ميل، ورافق موسى فيها قافلة ضخمة تضم عشرات الآلاف من الجنود والعبيد والمرافقين، يرتدون الحرير الفارسي ويحملون عصيًا من الذهب.
وعلى الرغم من ندرة المصادر الدقيقة التي تحدد عدد المشاركين في الرحلة، فإن المواكب الفخمة التي سارت برفقة موسى ضمت جمالًا وخيولًا تنقل مئات الكيلوجرامات من الذهب.
بطبيعة الحال، لاحظ سكان الأراضي التي مر بها موسى هذا العرض المذهل، فموكب بهذا الحجم كان من المستحيل تجاهله. وكان للأثر الذي تركه إمبراطور مالي على المصريين صدى استمر لأكثر من عقد من الزمن.
لقاء مانسا موسى بحاكم القاهرة
عند وصول مانسا موسى إلى القاهرة، كشف الكثير عن شخصيته الغامضة خلال لقائه المتوتر بحاكمها آنذاك، الملك الناصر محمد.
وبحسب روايات المؤرخ المسلم ابن فضل الله العمري، استقبل موسى من قبل أحد أعوان الناصر، الذي دعاه إلى لقاء السلطان. لكن موسى رفض الدعوة في البداية، مدعيًا أنه مجرد حاج يمر في طريقه إلى مكة.
لكن سرعان ما اتضح السبب الحقيقي لموقفه.
حيث قال أحد الأمراء الذين كان من مسؤلياته ملازمة مانسا موسى:
“أدركت أنه يكره حضور المجلس لأنه سيكون مُلزمًا بتقبيل الأرض ويد السلطان، وظل يختلق الأعذار، لكن بروتوكول السلطان كان يحتم علي أن أحضره إلى البلاط، فظللت ألح عليه حتى وافق.”
وعندما التقى موسى بالناصر، نشب توتر بين الطرفين بسبب رفض موسى تقبيل قدمي السلطان، وهدأت الأجواء فقط عندما أدى موسى التحية المناسبة.
بعد المحادثة بينهما، عرض الملك الناصر الإقامة على موسى وجميع من معه، وفي المقابل، ترك مانسا موسى أثرًا اقتصاديًا عميقًا في مصر من خلال كرمه غير المعهود.
الذهب يغمر القاهرة ويهز اقتصادها
أغدق مانسا موسى على المصريين الذهب واشترى بضائع كثيرة من الأسواق، فامتلأت شوارع القاهرة بالذهب، وهو مورد كان نادرًا ومطلوبًا بشدة آنذاك.
في البداية، غمر الفرح الناس، لكن لم يدرك أحد أن هذا الكرم المفرط سيقلب الاقتصاد رأسًا على عقب.
فقد أدت كميات الذهب التي وزعها موسى إلى انخفاض قيمته في السوق، مما سبب أزمة اقتصادية حقيقية في مصر.
وقد استغرق الأمر 12 سنة لتعافي الاقتصاد المصري من ذلك الانخفاض الكبير في قيمة الذهب.
توسع إمبراطورية مانسا موسى ومساهماته الثقافية
لكن رحلة الملك لم تكن فقط للعطاء، بل أيضًا للتوسع.
خلال رحلته، ضم مانسا موسى منطقة “غاو” الواقعة في مملكة سونغاي، ما وسع حدود دولته إلى الحافة الجنوبية من الصحراء الكبرى على امتداد نهر النيجر.
وبمرور الوقت، أصبحت إمبراطوريته تضم عدة أراض تمتد عبر ما يعرف اليوم بـ: السنغال، غامبيا، غينيا، النيجر، نيجيريا، تشاد، موريتانيا، بالإضافة إلى مالي.
ورغم هذا الاتساع، كانت غاو ذات أهمية خاصة لموسى، فبعد عودته من الحج، شيد فيها واحدًا من عدة مساجد بناها.
كما كانت تمبكتو من أبرز المدن بالنسبة له، حيث استخدم ثروته لبناء المدارس، الجامعات، المكتبات والمساجد.
في هذه المدينة التجارية المزدهرة، أمر ببناء مسجد جنغاريبير الشهير، المبني من الطين والخشب، والذي لا يزال قائماً ويُستخدم منذ أكثر من 500 عام.
أسطورة مانسا موسى تصل إلى أوروبا
انتشرت أخبار ثروة مانسا موسى ونفوذه خارج إفريقيا بعد رحلته إلى مكة.
واستمرت قصص موكبه الضخم وكرمه تروى حتى بعد وفاته، التي يعتقد أنها حدثت بين عامي 1332 و1337.
وفي أواخر القرن الرابع عشر، رسم مانسا موسى على أطلس كتالونيا عام 1375، وهو خريطة بحرية مهمة استخدمت في أوروبا في العصور الوسطى.
ورسمه الرسام الإسباني اليهودي أبراهام كريسكيس جالسًا على عرش، يحمل صولجانًا وتاجًا من الذهب، وفي يده قطعة ذهبية ضخمة، في مشهد يجسّد ثروته الفاحشة.
كم بلغت ثروة مانسا موسى؟
يصعب جدًا تحديد القيمة الحقيقية لثروة مانسا موسى بدقة. فمساحة أراضيه وثرواته المادية الهائلة تتجاوز ما يمكن تصوّره.
يقول أستاذ التاريخ بجامعة ميشيغان، رودولف وير، في مجلة Time:
“تخيّل كمية من الذهب تظن أن إنسانًا واحدًا يمكن أن يمتلكها، ثم ضاعف الرقم، هذا ما تحاول جميع الروايات أن توصله. إنه أغنى شخص رآه أي أحد في حياته”
تشير بعض التقديرات إلى أن ثروة مانسا موسى قد تصل إلى 400 مليار دولار، بينما لا توجد تقديرات دقيقة لثروة قارون.
اقرأ أيضًا: