
في رواق هادئ من أروقة قلعة وندسور الإنجليزية، يقبع برنس قرمزي أحمر فاخر، موشى بخيوط من الذهب والفضة، قد يبدو هذا البرنس مثال حقيقي للفخامة الشرقية، ولكن إذا عرفت أنه كان منذ 225 سنة تقريبًا على كتفي “نابليون بونابرت” عندما كان في مصر، فهذه قصة أخرى تضاف إلى فخامة هذا البرنس الغريب.
محاولة خداع المصريين:
جاء نابليون بونابرت على رأس جيش جرار من فرنسا في عام 1798 لغزو مصر، وفي رأسه عدة أهداف، منها قطع طريق التجارة الإنجليزية من إنجلترا إلى الهند، ثم تكوين امبراطورية شرقية مركزها مصر تمتد إلى سوريا، وفي رأسه الشرق بسحره وفخامته، ليكون واحد من الفاتحين القدامى.
منذ صغره تأثر نابليون بونابرت بالشرق، حتى أنه قام في شبابه بتأليف رواية تحت اسم “النبي”، تدور كلها في أجواء عربية، ولذلك عندما نزل بسفنه إلى مصر، ودخل القاهرة حاول بونابرت خداع المصريين بأن الله هو من أرسله ليخلصهم من ظلم المماليك، وحاول خداعهم بأنه رجل مسلم متقي لله، وحضر احتفالات المولد النبوي، وغيره من الاحتفالات الصوفية في القاهرة.
أحد مظاهر الخداع تلك كان هذا البرنس الأحمر الفخم، الذي ارتداه على كتفيه، في محاولة لإعطاء صورة ذهنية لدى المصريين كونه رجل شرقي، يتحلى بفخامه الشرق، وسلاطينه. وهو يتجول في الديوان بين مشايخ الأزهر.
البرنس ذو الطراز المغربي، صنع من اللباد الأحمر، ومُزجت تطريزاته بخيوط الفضة والذهب، وورغم الطراز المشرقي فعلى الأرجح هو من صُنع فرنسي.
وقد وُصفت تفاصيل هذا البرنس بدقة في رواية الحرب والسلم لتولستوي، إلى جانب مذكرات معاصري الحملة الفرنسية على مصر (1798–1801)، التي حاول فيها نابليون استلهام مجد الفراعنة، ليؤسس إمبراطورية جديدة في الشرق.
لكن مصير هذه العباءة انقلب رأسًا على عقب بعد هزيمة نابليون في معركة واترلو عام 1815. فخلال فرار الجيش الفرنسي، عثرت كتيبة مشاة بروسية يقودها الرائد يوجين فون كيلر على عربة الإمبراطور المتعثرة قرب بلدة جيناپ. ومن بين محتوياتها: العباءة الإمبراطورية.
وتشير وثائق قانونية من عام 1826 إلى أن فون كيلر استولى على عربتين من عربات نابليون، وقدم إحداهما كهدية للمارشال البروسي الشهير غبهارد فون بلوشير، مقابل احتفاظه بالأخرى. أما العباءة، فقد كانت من نصيب بلوشير، الذي أهداها بدوره إلى الأمير الوصي البريطاني، جورج الرابع.
الاحتفاظ بالعباءة
وسُجّلت القطعة رسميًا في جرد قصر كارلتون عام 1816، بوصفها “عباءة ارتداها بونابرت”، لتُنقل لاحقًا إلى قلعة وندسور، حيث لا تزال محفوظة حتى اليوم.
وفي عام 1870، أكّد أحد مساعدي بلوشير خلال زيارته للقلعة، أن هذه هي العباءة ذاتها التي أخذها بنفسه من عربة نابليون عقب المعركة. شهادة زادت من غموض القطعة وأهميتها، وربطت بين خيوطها اللامعة وسقوط أعظم قادة أوروبا الحديثين.