“غير لائق اجتماعيا”… عن الجملة التي قتلت عبد الحميد شتا

في قرية صغيرة بمحافظة الدقهلية، عاش عبد الحميد شتا حلمًا كبيرًا.. حلمًا لم يتحمله واقعٌ ظالم، فتحول إلى مأساةٍ لا تزال أصداؤها تُسمع حتى اليوم.
الحلم الذي تحوّل إلى كابوس
لم يكن عبد الحميد شتا مجرد شاب عادي، بل كان مثالًا للطموح والمثابرة. رغم فشله في دخول كلية الاقتصاد والعلوم السياسية من أول محاولة، إلا أنه أعاد السنة الأخيرة من الثانوية العامة ليحقق حلمه وينجح في الالتحاق بالكلية التي طالما أرادها. كان يعمل في حمل الطوب مع والده ليكمل مصروف دراسته ويساعد شقيقه الأصغر “رضا” في تحقيق حلمه بدراسة الطب.
بعد تخرجه، تقدّم لوظيفة “ملحق تجاري” في وزارة التجارة الخارجية، وهي وظيفة مرموقة تمنح حاملها فرصة العمل في السفارات المصرية. اجتاز عبد الحميد جميع الاختبارات، وكان الأول على المتقدمين، لكن المفاجأة كانت في انتظاره.
“غير لائق اجتماعيًا”.. الجملة التي قتلت صاحبها**
بدلًا من أن يتسلم رسالة تعيينه، سمع تلك العبارة القاسية: “غير لائق اجتماعيًا”. لم يستطع عبد الحميد تصديق ما حدث، خاصة بعد أن اكتشف أن الوظيفة ذهبت لابن أحد أعضاء لجنة الاختيار.
في ذلك اليوم، خرج عبد الحميد من منزله بعد أن بشّر والدته بقوله: “هشتغل في السفارة يا ماما، وأوعدك هروح أشوف الوظيفة وأرجع”. لكنه لم يعد إلا جثةً هامدةً طفت على سطح النيل.
*الأسرة تكشف المفاجأة: “لم ينتحر.. لقد قُتل*
على عكس الرواية الرسمية، تؤكد أسرة عبد الحميد أنه لم ينتحر، بل تم اغتياله. تقول والدته: “ابني ما كانش هيظلم نفسه كده.. كان متدينًا بيصلي الصلاة في وقتها، عمره ما هيرمي نفسه في النيل”.
ويكشف شقيقه “سيد” تفاصيل مريبة، منها أن عبد الحميد اتصل بزوجة أخيه قبل وفاته بصوت مرتعب، وقال لها: “اتوصوا ببعض.. أنا مش قادر أتكلم”. كما أن جيرانه في القاهرة أكدوا أن الملابس التي عُثر عليه بها بعد إخراجه من المياه لم تكن ملابسه التي خرج بها من المنزل.
### **تهديدات وتزوير.. ومحاولات لإسكات الحقيقة**
لم تتوقف المأساة عند وفاة عبد الحميد، بل تعرّض شقيقه “سيد” لمحاولات ترهيب متكررة لمنعه من الكشف عن الحقيقة. يقول: “اتعرضت للضرب 3 مرات عشان أسكت.. لكني لن أصمت”.
كما كشفت الأسرة أن رئيس لجنة الاختبارات عيّن ابن أخيه بدلًا من عبد الحميد، ثم نُقل بعدها للعمل في رومانيا، في إشارة إلى محاولة لإخفاء التزوير.
*العدالة التي لم تتحقق*
تمسح الأم يوميا صورة عبد الحميد، وترتب أوراقه كما تركها، وتصلي بجوار صورته، حتى تخبره بالعهد الذي بينهم ألا تترك صلاة أبدا، حتى يلتقيا في عالم آخر، تتحقق فيه الأماني، حتى لو لم تكن لائق اجتماعيا.
رغم مرور السنوات، لا تزال والدة عبد الحميد تحتفظ ببدلته التي اشتراها ليرتديها في أول يوم عمل له. تصلي كل يوم بجوار صورته، وتهمس له: “هنتقى في الجنة يا ولدي.. هناك حيث لا ظلم ولا محسوبيات”. أما شقيقه “رضا”، فقد سافر إلى ألمانيا لدراسة الطب، وحقق حلم أخيه الذي ضحّى بكل شيء من أجله.
وجسد الفنان حمزة العيلي شخصية عبد الحميد شتا في مسلسل طاقة نور، تأليف حسان دهشان وإخراج رؤوف عبد العزيز وبطولة هاني سلامة ، لكن أسرة عبد الحميد شتا، قررت مقاضاة صناع المسلسل، بسبب تشويه الحقيقة وعدم استئذانهم في تناول سيرته، وأعلنوا أن عبد الحميد تم قتله ولم ينتحر.
بالطبع، إليك إعادة صياغة للجملة والمقطع بالكامل بأسلوب أكثر وضوحًا وسلاسة، مع الحفاظ على الجو العام والتفاصيل المهمة:
قُتل أم انتحر؟
تصرّ عائلة عبد الحميد على نفي رواية انتحاره. شقيقه سيد يؤكد:
“اللي قتلوا أخويا حاولوا يقتلوني كمان، لما اتكلمت في التليفزيون عن مقتله. وقتها كان عصر مبارك، مليان خوف وظلم، وده خلاني أسكت سنين، لكن دلوقتي لازم الناس تعرف الحقيقة.”
ويحكي سيد عن خلفيتهم العائلية: “احنا كنا أسرة بسيطة ومتدينة، حياتنا بين التعليم، والمسجد، والتفوق. أبويا كان راجل فقير لكنه ربّى ٣ أولاد كلهم متفوقين: عبد الحميد كان من الأوائل، وأنا كنت الأول على الثانوية العامة وكلية الآداب، وأخونا الصغير ضياء بقى جراح عظام في ألمانيا. أبويا كان دايمًا يقولنا: ذاكروا علشان تخدموا بلدكم.”
وعن عبد الحميد، يقول سيد:”كان أكتر واحد فينا بيحب العلم. قالنا إنه اتقبل في الخارجية، وكان وقتها معاه موبايل، وجاله رسايل تهنئة من زملاؤه. قالنا: النتيجة ظهرت ونجحت، ورايح أستلم شغلي.”
لكن اللحظة الفارقة، كانت المكالمة الأخيرة اللي أجراها عبد الحميد مع زوجة سيد، بصوت مليان خوف:
“اتوصوا ببعض… أنا مش قادر أتكلم.”
سيد يفسّر المكالمة دي بأنها كانت نداء استغاثة”أخويا ساعتها كان أكيد متكتف أو مهدد، وصوته كان بيقول إن حياته في خطر.
**عبد الحميد لم يمت.. بل صار رمزًا*
قصة عبد الحميد شتا ليست مجرد حادثة فردية، بل هي نموذج صارخ لفساد النظام الوظيفي والظلم الاجتماعي. لقد تحوّل إلى رمز لكل شاب طموح تحطمت أحلامه بسبب المحسوبية والفساد.
اليوم، وبعد سنوات من رحيله، لا تزال كلماته الأخيرة تتردد في أذن أمه: “هشتغل في السفارة يا ماما..” .. لكن السفارة التي حلم بها لم تكن سوى سفارة الموت.