
“أنا جعانة يا عمو”
هذه أول ثلاث كلمات نطقت بهم شهد بعد 3 سنوات من الصمت، الصمت الذي كان يقعطه استغاثات طفلة ضعيفة بأهل القرية، لكن أهل القرية ظنوا أن المنزل الذي تأتي الصرخات منه منزلا مسكونا ولهذا عرضه صاحبه للبيت، لذا ظل الصراخ والاستغاثات لا يتوقفون لمدة 3 سنوات.
في البداية وجب التنويه أن ما ستقراه صادما
بدأت قصة الطفلة شهد سنة 2022، بسماع بعض الجيران بقرية كوم النور التابعة لمدينة ميت غمر بمحافظة الدقهلية، أصوات صراخ ونحيب من منزل مهجور ومعروض للبيع، وترددت اشاعات كثيرة بوجود عفاريت في المنزل المهجور، الأمر الذي دفع جميع الجيران للابتعاد عنه، لكن شابين من أهل القرية قررا دخول المنزل نهارا لكشف الأمر، ليكشفا عن قصة صادمة، لا يمكن أن تخطر ببالك.
كانت الصدمة عندما عثر الشابان على طفلة محبوسة في غرفة مهجورة بآخر المنزل ومقيدة بالجنازير وشعرها أشعث وشكلها غريب، لكنهم تعرفا عليها بسهولة، انها شهد ابنة صاحب المنزل والذى ادعى أنها سافرت لعمها بالقاهرة منذ أكثر من 3 سنوات، فاتصل الشابان بالقاضي العرفي بالقرية الحسيني بدير لإخباره بما عثروا عليه بالمنزل، ولاطلاعه على حالة الطفلة فطلب منهم أن يصوروها لإرسالها لضباط مباحث مركز ميت غمر.
جاء رئيس المباحث، أمام المنزل وسأل عن صاحبه فلم يجده وطلب من المخبر احضاره وبالفعل حضر وسأله مين في المنزل فقال: “مافيش حد يا باشا”، فاقتحم الضابط المنزل ودخل للمكان الذي أرشد عنه الشابين وبفتح باب الغرفة كانت المفاجأة بوجود الطفلة نائمة على الأرض ومقيدة بالجنازير والمكان غير آدمي وسيء التهوية، ولا يصلح لحياة إنسان، وعندما فتح النور أغمضت الطفلة عينيها لعدم قدرتها على فتحها في النور لوجودها في الغرفة المظلمة منذ سنوات.
قام الضابط بتهدئة الطفلة، وحل وثاقها وحملها على يدية لعدم قدرتها على الوقوف وسألها انتى كويسة، فقالت له: “أنا جعانة ياعمو”، فقال لها الضابط: “نفسك تأكلى ايه”، فقالت “طبق كشرى”..
ليبقى السؤال، لماذا تم حجز شهد كل هذه المدة؟
اختفت شهد عن قريتها فجأة وادعى والدها سفرها عند عمها بالقاهرة، لكنها كتن يحبسها، فتحولت لهيكل عظمى، بملابس متسخة، تشرب من زجاجة مياه سوداء وحولها أطباقا ملوثة، فتم القبض على الأب الذي قال أنه حبس ابنته لأنها كانت تهرب منه وأحضرها من محافظات مجاورة عدة مرات فقرر أن يحبسها ويقيدها حتى لا تخرج.
بعد أن تعافت شهد، قالت إنها هربت من الأب بسبب قسوته وعنفه معها وحرمانها من الطعام فكانت لا تأكل سوى يوم بعد يوم فقط وهربت حتى تتخلص من هذا الجحيم لكن الأب كان يعيدها بعدما تعثر عليها المباحث.
وقالت بكلمات يصعب تمييزها بسبب طول فترة حبسها: “انا مكنتش عايزة أعيش معاه علشان مش بحبه، لإنه بيضربنى بجلدة الحصان والحديدة بتاعة العربية وكنت بأبقى جعانة ومش بلاقي أكل فكنت أطلع على السطح أجمع البلح اللى بيقع من النخلة جنبنا وبيقع على أرضية السطح وآخر مرة بابا أخدنى عند عمى في القاهرة وأخد جنزير من أخوه وربطني بيه”.
كانت رائحة المكان لا تطاق، بسبب قضاء شهد لحاجتها في نفس المكان المقيدة فيه، وأوضحت شهد: “كان رابطني في إيدي بسلاسل حديد، وكنت لا أعرف تناول الطعام بسببها، فطلب عمي منه أن يربطني من قدمي افضل حتى أستطيع تناول الطعام، وكنت عندما أبكي يضربني بجلدة الحصان، ومن أربع سنين لم أرى الشارع، وكنت بأكل يوم بعد يوم وإذا طلبت أكل كان بيرفض مع ان هو كان بيأكل وكان بيفتح لى نور الغرفة نصف ساعة فقط علشان آكل وبعدين يقفله وأقعد في الضلمة وكنت بخاف أوى وأقعد أعيط وأنام على الأرض من العياط”.
كان غذاء شهد طوال السنوات الثلاثة التي حُبست فيها، عبارة عن رغيف عيش وطعمية أو رغيف عيش وقطعة من الجبن، وتشرب المياه من زجاجة سوداء تركها والدها بجوارها وتقضى حاجتها في جردل وضعه الأب لها تحت السرير.
شهد ترفض اتهام والدها
شهد التي دفعت بمفردها نتيجة انفصال والدخا عن والدتها، تتذكر بالدموع، عندما أحضر لها خالها فستانا في العيد الأخير قبل أن يحتجزها والدها بالبيت المهجور، إلا أن والدها رفض أن ترتديه، وتركها بملابسها القديمة، تنام على الأرض وتقضي حاجتها في الجردل، ولا تخرج من الحجرة الموجودة بها وأقصى مسافة يمكن أن تصل إليها في حركتها هي باب الحجرة .
المفارقة أن باب الحجرة بجواره غرفة الحصان التي يهتم به والدها أكثر منها، وكان يجبرها أن تحمل روث الحصان وإلا تعرضت للضرب المبرح، حتى عانت من انيميا حادة وسوء تغذيه وضعف عام وانخفاض في الوزن، وفقا لتقرير نيابة المنصورة التي أمرت بتسليم شهد لجدتها، لتدخل لأول مرة الحمام كأدمية لها حق في قضاء حاجتها في مكان خصص لذلك، تقول الجدة: “تحول جسدها للون الأسود من كثرة الاتساخ”.
الغريب أن النيابة عندما استدعت شهد لسماع أقوالها، رفضت اتهام والدها، وقالت: “هو بس كان خايف عليّ، وكان بيجيب لى الأكل ويربطنى ويقفل عليّ البيت علشان ماخرجش”.
أقرأ أيضا
الأب والابن والطائفة.. لماذا سلم والد قاتل تشارلي كيرك ابنه للعدالة؟