
على الرغم من أن شبه الجزيرة التي تضم كل من اسبانيا والبرتغال وجزء من جنوب فرنسا تعرف باسم “جزيرة أيبيريا” إلا أن العرب والمسلمين عرفوا باسم الأندلس، فمن أين جاء ذلك الاسم؟
يوجد العديد من التفسيرات التي تعتبر تفسيرات خاطئة وانتشرت عبر التاريخ الطول، بعد فتح جزيرة أيبيريا على يد طارق بن زياد، ومن أهم هذه التفسيرات:
النظرية الجغرافية – “البلد الغربي”
بعض الباحثين المسلمين القدامى، مثل المسعودي، اعتبروا أن “الأندلس” قد تكون تحريفًا من لفظ لاتيني أو قوطـي قديم يشير إلى “الجزيرة” أو “البلاد الغربية” نسبة إلى موقعها في أقصى غرب العالم المعروف وقتها. وهناك من يربطها بكلمة Atlántis (أتلانتس) الإغريقية، لكونها قريبة من المحيط الأطلسي.
النظرية العربية البحتة
طرح بعض المؤرخين العرب فرضية أن الاسم عربي أصيل، وأنه ربما جاء من وصف جغرافي أو قبلي أطلقه العرب بأنفسهم بعد الفتح. لكن هذه الفرضية تفتقر إلى الأدلة اللغوية مقارنة بالنظريات الأخرى، إذ لا توجد كلمة “أندلس” في المعاجم العربية القديمة قبل الفتح.
ولكن على الرغم من هذه الآراء إلا أي من هذه الآراء ليست آراء صحيحة أو حتى مدعومة بأي دليل علمي، ولكن أغلبها أفكار عامة، جاء بها الأقدمين وغلبهم الظن في هذا، ولكن النظرية الأقرب إلى الحقيقة تعود إلى القبائل الجيرمانية.
كلمة السر “فندال”
يعرف الفندال أو الوَندال بأنهم هم إحدى القبائل الجرمانية الشرقية وهم قبائل مسيحية كانوا لأنهم على مذهب آريوس، وكانوا مضطهدين من قبل الكنيسة المؤمنة، فاجتمعوا بذلك معًا وبدأوا في شن هجمات على الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي.
عبروا نهر الراين عام 406 م، ثم اجتاحوا بلاد الغال (فرنسا الحالية) قبل أن يصلوا إلى شبه الجزيرة الإيبيرية حوالي سنة 409م.
هناك، استقروا في مناطق الجنوب والشرق، وأطلق المؤرخون الرومان على تلك المناطق اسم فاندالوسيا Vandalusia أو “أرض الفاندال”.
ووفقًا للمؤرخين فإن الوندال بعد استقرارهم في إسبانيا، أجبرهم قبائل جيرمانية أخرى هي “القوط” على المغادرة نحو الجنوب، فنزلوا إلى شمال أفريقيا، واحتلوا ما يسمى اليوم المغرب والذي كان يسكنه الأمازيغ، وكونوا دولة عاصمتها قرطاج، وضموا إليها جزيرة صقلية والعديد من جزر البحر المتوسط.
كانت الهجرة الوندالية نحو شمال أفريقيا هجرة كبيرة، ووفقًا للاحصائيات فقد بلغ عددهم 800 ألف من شيوخ ونساء وأطفال، واستوطنوا شمال أفريقيا حتى ليبيا، ولكن بعد هزيمتهم من الرومان اندمجوا مع سكان الأمازيغ، وعاشوا معهم تحت السيطرة الرومانية. بل إن مكونهم الجيني متواجد حاليًا في سواحل شمال أفريقيا ولا يعرف من هم تحديدًا.
مصطلح “التخريب” (Vandalism)
تحمل كلمة Vandalism بالإنجليزية معنى التخريب والإفساد، ويعود أصل المصطلح في معناه الحديث إلى السمعة التي اكتسبها شعب الوندال، الذين اشتهروا في التاريخ الغربي بأنهم قوم بربريون نهبوا مدينة روما عام 455م.
ورغم أن الوندال ربما لم يكونوا أكثر تدميرًا من غيرهم من الغزاة في العصور القديمة، فإن الكتّاب الذين مجّدوا روما وصوروها مثالية حمّلوهم المسؤولية عن خرابها.
بعد قرون، وفي زخم الثورة الفرنسية، التقط أسقف بلوا هنري جريجوار هذا الإرث الثقيل، وصاغ عام 1794 كلمة جديدة: التخريب، ليصف تحطيم التماثيل وحرق اللوحات وسحق المعابد الفنية. انتشرت الكلمة في أرجاء أوروبا، تحمل في طياتها كل ما ارتبط بالوندال من سمعة، حتى غدت مرادفًا للهدم الأعمى.
من “فاندالوسيا” إلى “الأندلس”
عندما جاء المسلمون بعد قرنين تقريبًا من رحيل الفاندال، كان اسمهم وذكراهم ما زال حاضرين في التقاليد الجغرافية البيزنطية واللاتينية. يرجح أن العرب سمعوا هذا الاسم من السكان المحليين أو من الخرائط والوثائق البيزنطية، فحوروه ليتناسب مع مخارج الحروف العربية.
في هذا التحوير تحولت الـ”V” إلى همزة (لغياب صوت الـ”V” في العربية)، وحذفت بعض المقاطع الصوتية، فأصبحت الكلمة من “وندالوس، وفاندالوس” إلى “أندلس”.
وكان التحوير اللغوي مألوفًا لدى المسلمين، في تكييف الأسماء الأعجمية لتلائم نظامهم الصوتي، مثل تحويل كلمة “فرانك” إلى “إفرنج” أو هيسباليس إلى “إشبيلية”.
وعلى سبيل المثال يذكر في المراجع الإسلامية أن القائد القوطي الذي حارب المسلمين وتصدى لهم عند دخول الأندلس هو “لزريق”، لنعرف في التاريخ أنه مجرد تجريف لاسم “رودريجز”.
الأندلس في الذاكرة الإسلامية
مهما كان الأصل اللغوي، فقد تحولت “الأندلس” في المخيال الإسلامي من مجرد إشارة جغرافية إلى رمز لحضارة ذهبية امتدت لثمانية قرون، حيث امتزجت فيها العلوم والآداب والفنون، وارتبط الاسم في وجدان المسلمين بالنهضة والبهاء أكثر من ارتباطه بالفاندال أو أصولهم.
اقرأ أيضًا:
“أغلى بوست في مصر”.. كم دفع محمد رمضان لالتقاط صورة مع لارا ترامب