
رحل عن عالمنا اليوم الفنان القدير لطفي لبيب عن عمر ناهز ٧٧ عامًا، بعد صراع طويل مع المرض، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا وإنسانيًا يصعب تعويضه، ومسيرة زاخرة بالأدوار المؤثرة التي تركت بصمة خاصة في قلوب الجمهور.
لم يكن لطفي لبيب مجرد ممثل موهوب؛ بل كان صوتًا للضمير الوطني والإنساني، تجلّى ذلك في أدواره وفي مواقفه الشخصية الصلبة. فقد تحدّث في لقاء سابق له مع الإعلامي عمرو الليثي عن فترة خدمته في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، موضحًا أن اللحظة الوطنية في خضم المعركة كانت فوق أي انتماء ديني أو طائفي، قائلًا:
“ماكانش فيه مسلم ومسيحي، الكلام ده ماكانش وارد، ولو للحظة، خالص خالص، ده بالعكس، أدركوا إن أنا مسيحي بعد عشرة سنوات”.
موقفه من تكريم السفارة الإسرائيلية
في عام 2005 تم إنتاج الفيلم الكوميدي السفارة في العمارة، عن شريف خيري “عادل إمام”، مهندس نفط مستهتر قضى 25 عامًا في الإمارات، قبل أن يطرد من عمله بسبب تورطه في علاقة مع زوجة مديره. يعود إلى القاهرة ليُفاجأ بوجود السفارة الإسرائيلية في نفس العمارة التي يسكنها. يعاني من الإجراءات الأمنية المفروضة بسبب وجود السفارة، ويبدأ تدريجيًا في التحول من شخص لا مبالٍ بالسياسة إلى رمز شعبي مناهض للتطبيع، فيقود حملة لإخراج السفارة من المبنى بدعم من الرأي العام.
لكن سرعان ما يتعرض لضغوط لإسكاته وإيقاف نشاطه. غير أن استشهاد “إياد”، ابن صديقه الفلسطيني، يعيد إحياء وطنيته، ويدفعه لاستئناف النضال ضد إسرائيل ومقاومة التطبيع من جديد.
وقد جسد لطفي لبيب دور السفير الإسرائيلي في الفيلم بطريقة مدهشة. مما جعل السفارة الإسرائيلية تحاول تكريمه بعد ذلك في لعبة سياسية ممتازة.
وفي موقف يعكس وطنيته ووعيه السياسي، رفض الراحل تكريمًا عرضته عليه السفارة الإسرائيلية بعد عرض فيلم “السفارة في العمارة”، مؤكدًا أن مثل هذا الأمر “ماينفعش” – وهي كلمة اختصرت ببلاغة موقفًا ثابتًا في زمن الارتباك.
مسيرة فنية حافلة
قدم الفنان لطفي لبيب عشرات الأدوار المميزة في السينما والتلفزيون والمسرح، وتميّز بقدرته على تجسيد الشخصيات البسيطة والحكيمة بخفة ظل فطرية، وجعل من الأدوار الثانوية أحيانًا محورية في وجدان الجمهور.
من أبرز أعماله:
-
عسل أسود: حيث قدّم شخصية الموظف المصري التقليدي بسلاسة لافتة.
-
السفارة في العمارة: الفيلم الذي شكّل علامة سياسية وفنية.
-
ليلة سقوط بغداد، والنوم في العسل، وصاحب السعادة، ويوميات ونيس، وغيرها الكثير.
كان لطفي لبيب فنانًا ملتزمًا، مثقفًا، صاحب رؤية، وأحد القلائل الذين جمعوا بين الاحتراف الفني والشخصية المتزنة المحترمة داخل وخارج الشاشة.
إرث لا ينسى
برحيله، فقدت الساحة الفنية المصرية والعربية واحدًا من أهم رموز الفن الهادئ العميق، رجل لم يسع خلف الأضواء، بل ترك الأضواء تبحث عنه كلما وقف أمام الكاميرا.
اقرأ أيضًا:
عادل إمام رفض وحنان ترك انسحبت.. أزمات في فيلم “طباخ الرئيس”