لا شك أن الشيخ محمد متولي الشعراوي واحدًا من أبرز الدعاة في تاريخ مصر الحديث، وقد ترك بصمة لا تُنسى في نفوس المصريين والعالم الإسلامي كله، ويعتقد كثير من المصريين أن الشعراوي، ينطبق عليه قول الرسول، صلى الله عليه وسلم، “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”،
ولذلك، عندما قرر الفنان حسن يوسف إنتاج مسلسل يتناول سيرة الشيخ الشعراوي، كان من الطبيعي أن يحظى العمل بمتابعة جماهيرية واسعة، وعلى الرغم من نجاحه جماهيريا، كان هناك استياء واضح من عائلة الشيخ الشعراوي تجاه المسلسل.
فما الذي أغضب الأسرة؟ ولماذا اعتبرت أن العمل احتوى على مغالطات لا تُغتفر؟
قبل أن نجيب عن هذا السؤال..دعونا نوضح
ما هي علاقة الفنان حسن يوسف بالشيخ الشعراوي؟
تحدث الفنان حسن يوسف في أكثر من مناسبة عن علاقته القوية بالشيخ الشعراوي، وكان يُكنّ له احترامًا بالغًا، حتى أنه كان يناديه بـ”سيدي”، وقال في تصريحات تلفزيونية لليوم السابع: “كنت بقوله يابا”، وقد صرح في أحد اللقاءات بأنه وزوجته الفنانة المعتزلة شمس البارودي، كانا يواظبان على حضور دروس الشيخ.
وفي أحد الحوارات بينهما، سأل حسن يوسف الشيخ عن رأيه في الفن:
“هل الفن حلال أم حرام يا مولانا؟”
فأحضر الشيخ كوبًا فارغًا وقال:
“الفن كهذا الكوب، إن ملأته شايًا وشربته، فهو حلال. وإن ملأته خمرًا، فهو حرام. ما يُملأ به الكوب هو الفيصل”، وبناءً على هذا المفهوم، طلب منه الشيخ العودة للفن لتقديم رسالة طيبة، بل وحثّه على الرد على مسرحية “مدرسة المشاغبين” التي اعتبرها الشيخ أحد أسباب انحراف الشباب، بحسب تصريحات حسن يوسف.
وفي تصريحات للمهندس عبد الرحمن مصطفى، مدير مجمع الإمام محمد متولي الشعراوي (يُقدم في الصحافة على انه وكيل أعمال الشيخ الشعراوي)، قال إن الشيخ كانت تربطه علاقات طيبة بعدد من الفنانين، منهم حسن يوسف وحسن عابدين، وقد حكى حسن عابدين حكايات شبيهة لما حكاه حسن يوسف، وحكي لي شخصيا اللواء إبراهيم الشامي نجل الفنان إبراهيم الشامي إن علاقة صداقة جمعت والده بالشيخ الشعراوي.
بداية مسلسل إمام الدعاة
في عام 2002، بدأ الفنان حسن يوسف، بالتعاون مع مدينة الإنتاج الإعلامي، إنتاج مسلسل “إمام الدعاة”، الذي كتبه السيناريست الراحل بهاء الدين إبراهيم، وأخرجه مصطفى الشال، وشارك في المراجعة الدينية عدد من علماء الأزهر، منهم الدكتور أحمد المعصراوي والشيخ السيد شمس الدين العراقي، قبل عرض المسلسل، تم تقديم أول أربع حلقات منه لأسرة الشيخ الشعراوي… وهنا بدأت الاعتراضات.
تقول زوجة محمد الشعراوي حفيد الشيخ الشعراوي، في تصريحات لموقع القاهرة 24: “حسن يوسف راح للشيخ سامي نجل الشيخ الشعراوي (الابن الأكبر للشعراوي وجسده محمد عبد الجواد في المسلسل)، واتفق معه وقاله هتبقى أنت مشرف على العمل، لأنك عارف عن والدك كل حاجة، لكن بعدها بأسبوع أخد حسن يوسف السيناريو ومرجعش ثاني للشيخ سامي، علشان ياخد السبوبة كلها لوحده (بحسب وصفها).
أخطاء المسلسل
اعترضت عائلة الشيخ على عدة نقاط رأت أنها تشوه الحقائق أو تضيف ما لم يكن موجودًا أصلًا في حياة الشيخ، وهي
1 – شخصية بدرية أو سوسن بدر في المسلسل
امرأة أحبها الشعراوي في شبابه كما ظهر في المسلسل، وهي شخصية لا أساس لها من الواقع، وتم اختلاقها لأغراض درامية، ونفت الأسرة وجودها.
2- شخصية زغلول
الشخصية التي أداها الفنان حمدي أحمد، كزميل وجار للشيخ الشعراوي، وكان حاقدًا يغار من الشعراوي. لكنها شخصية مختلقة بالكامل ولا تمت لحياة الشيخ بصلة، وجدير بالذكر أن الشيخ الشعراوي كان صديقا للفنان حمدي أحمد وكتب كتاب ابنته.
وفي فيديو كتب الكتاب، طلب الشيخ من حمدي أحمد أن يقول: “الحمد لله الذي صان عفتي ونقل الولاية عليكي مني إلى من أحله لك وأصبح أمره مقدما على أمري، في غير معصية”، وبعدها وفي فيديو كتب الكتاب، نجد الشيخ الشعراوي يقبل يد حمدي أحمد، ليردها له حمدي أحمد، مما يعكس الصداقة بين الاثنين..
3 – الشيخ لم ينشأ في بيئة متخلفة
صوّر المسلسل أن الشيخ الشعراوي نشأ في بيئة متخلفة، وهو ما نفته الأسرة، مؤكدة أنه تتلمذ على يد علماء كبار مثل الشيخ أحمد الطويل (خريج علوم) والشيخ مصطفى البياضي، الذي زرع فيه حب اللغة والشعر.
4 – الإقلاع عن التدخين
جاء في المسلسل أن الشيخ الشعراوي أقلع عن التدخين في شبابه، بينما الحقيقة أنه توقف عنه في سن الثمانين.
5- صورة الشيخ داخل منزله
قالت الأسرة إن الشيخ كان يضع حذاءه أمام غرفته كعلامة على أنه بداخلها، احترامًا للخصوصية، بينما المسلسل أظهر أن الناس يدخلون عليه في أي وقت، دون اعتبار لذلك، ودون اعتبار لخلوته الشخصية.
6 – الشيخ ليس نبيا
في لقاء تلفزيوني، قال حسن يوسف إنه “صوّر الشيخ الشعراوي وكأنه نبي، بلا خطأ”، وهو ما أغضب الأسرة، حيث أكدوا أن الشيخ لم يكن نبيًا، بل بشرًا يصيب ويخطئ، لكنه كان داعيةً عظيمًا.
7- الشعراوي الذي لا يحب الأزهر
في لقاء مع طارق حبيب، قال الشيخ الشعراوي إنه لم يكن يحب الدراسة في الأزهر عندما التحق بها، ودبر مكيدة لكي يجعل والدها يخرجه من التعليم الأزهري، بأن طلب من والده مبلغ كبير لكي يشتري به كتب، لكي يرفض الأب، ويكون الأمر سببا لترك الدراسة في الأزهر، لكن الأب تصرف في الأموال واشترى كتب للشيخ الشعراوي لم تكن مقررة عليه، وفي نهاية الأمر، قال الأب للشيخ الشعراوي،: “أنا عارف ان الكتب دي مش ليك، علشان متقولش ضحكت على أبويا، بس ربنا ينفعك بالعلم اللي فيها”.
لكن المسلسل جعل الشيخ الشعراوي محبا للدراسة في الأزهر من اليوم الأول.
لكن، ورغم هذه التحفظات، لا يمكن إنكار النجاح الساحق الذي حققه المسلسل، فهو واحد من أكثر الأعمال الدرامية إعادة على شاشات التلفزيون المصري والعربي، وقد أصبح مرجعًا بصريًا للعديد من الأجيال حول شخصية الشيخ الشعراوي، لكن أسرة الشيخ الشعراوي قالت إنها لا تفضل أن يقدم حسن يوسف شخصية الشيخ مرة آخرى.
وقدم الفنان حسن يوسف مسلسل ابن ماجة القزويني في سنة 2000، وفي سنة 2002 قدم مسلسل امام الدعاءة، وفي سنة 2004 مسلسل الامام النسائي، وفي سنة 2006 قدم مسلسل الإمام المراغي، وفي سنة 2008 مسلسل العارف بالله الإمام عبدالحليم محمود، وأعلن عن تقديم شخصية الامام الغزالي لكن اسرة الغزالي لجأت للقضاء وتعطل مشروع المسلسل، وأعلن عن نيته تقديم شخصية البابا شنودة، لكن المشروع لاقى رفض من الكنيسة، ثم عاد حسن يوسف للعمل التلفزيوني في مسلسل “زهرة وأزواجها الخمسة”، مما عرضه لموجة واسعة من الهجوم.
توفي الشيخ عن عمر يناهز السابعة والثمانين، في 17 يونيو من العام 1998، ورحل الفنان حسن يوسف في29 أكتوبر 2024،
بهاء حجازي
أقرا أيضا
