
بملامحه الوسيمة الظاهرة، ولحيته النابتة الخفيفة، وشعره الناعم، وشفتيه النحيلتان، نجى يويا بشكل مذهل من الزمن، واستطاع أن يصل إلينا بكامل جسده.
قال علماء الآثار إنه يبدو أطول من العادي، وأن اسمه “يويا” ليس اسمًا مصريًا، وأنه يبدو أجنبيًا، خاصة بملامحه التي لا تشبه المصريين في تلك الفترة من الزمن.
إنه “يويا”، أحد أقوى رجال الدولة في الأسرة الثامنة عشر في مصر القديمة، وجد الملك توت عنخ آمون، الذين يظن الباحثون أنه سيدنا يوسف! وهذه قصته.
قصة يويا الوسيم الذي تحدى الزمن
تم اكتشاف مومياء يويا عام 1905 في وادي الملوك، وقد تحدّت الزمن بشكل مدهش: ملامحه، ملمس بشرته، وحتى خصلات من شعره لا تزال محفوظة. كأنه غفا منذ ساعات، وليس منذ أكثر من ٣٥٠٠ عام.
لم يكن يويا ملكًا، ومع ذلك امتلأت مقبرته بالكنوز، وساهمت سيرته في تشكيل التاريخ الملكي المصري.
من الكتابات في مقبرته، نعرف أن يويا ولد في مدينة أخميم بصعيد مصر، ويبدو أنه كان من كبار ملاك الأراضي هناك. لم يكن مجرد نبيل، بل شغل منصبًا رفيعًا في الدولة، عمل مستشارًا للملك أمنحتب الثالث، وحمل عددًا هائلًا من الألقاب الرسمية مثل: أب الإله (الفرعون)، ووكيل الملك للعجلات، حامل ختم ملك الوجه البحري، والمشرف على ثيران الإله آمون، وفم الملك وأذنه في أنحاء مصر.
أدوار يويا لم تكن مجرد تشريفات، بل كانت دلالة على سلطته الواسعة داخل القصر وخارجه.
العائلة التي صنعت التاريخ
تزوج يويا من النبيلة تويا، وهي ابنة كاهن الإله أمون، ووالدتها كانت وصيفة في القصر الملكي ومشرفة على ملابس الملكة. تويا بدورها كانت تحمل ألقابًا مثل “الوصيفة الملكية” و”مغنية آمون”، و”الأم الملكية للزوجة الملكية العظمى”.
أنجب يويا وتويا الملكة تيي، التي أصبحت زوجة الملك أمنحتب الثالث، ووالدة الفرعون الشهير أخناتون، وجدة الملك توت عنخ آمون. كما أن لهما ابنًا اسمه عانن، وذُكر اسمه على تابوت والدته، وكان يشغل منصبًا دينيًا.
وهناك من يعتقد أن الملك آي، الذي حكم بعد توت عنخ آمون، هو أيضًا ابن يويا، خصوصًا أنه حمل نفس الألقاب، لكن لا يوجد دليل قاطع يثبت هذه الصلة.
أصله الغامض: مصري أم أجنبي؟
تثير شخصية يويا الكثير من التساؤلات حول أصوله. فرغم مركزه العالي، لاحظ العلماء أن ملامحه الجسدية ووجهه يختلفان عن باقي مومياوات المصريين القدماء. كان طويل القامة بشكل غير معتاد، وتكوين جمجمته وملامحه يشيران إلى احتمال أصول أجنبية.
اسمه ذاته ورد بأشكال غريبة ومتعددة: يويا، يوى، يو، يايا، يي آي، وغيرها، ما يوحي بأنه لم يكن من جذور مصرية خالصة.
هناك فرضيات ترجح أنه من بلاد “متني” “ربما شمال سوريا”، خصوصًا أنه كان وكيل الملك للعجلات – وهي مركبات لم تكن مصرية الأصل، بل استوردها المصريون من آسيا. والبعض يربط بينه وبين الملكة موت مويا، زوجة أمنحتب الثالث، باعتبارهما شقيقين، لكن هذه مجرد فرضيات دون أدلة كافية.
أما الأكثر إثارة فهو ما طرحه الباحث د. أحمد عثمان، الذي كتب كتابًا بعنوان “غريب في وادي الملوك”، طرح فيه فرضية مثيرة: أن يويا هو نفسه النبي يوسف، استنادًا إلى صفاته ومكانته وطبيعة دفنه، لكن هذه النظرية تظل مثيرة للجدل، ولم تُقبل على نطاق علمي واسع.
المقبرة التي حيرت العالم
في عام 1905، اكتشف المستكشف “تيودور ديفيز” مقبرة يويا وزوجته تويا في وادي الملوك (المقبرة KV46). وعلى غير المتوقع، وجدت المومياء في حالة حفظ مذهلة: وجه يويا يبدو كما لو كان نائمًا، بشرته، رموشه، وحتى شعره، ظل سليمًا بعد آلاف السنين.
المقبرة كانت غنية بالكنوز: ثلاثة توابيت متداخلة، عجلة حربية، كراسٍ خشبية، أوانٍ ذهبية، صندوق مزخرف عليه خرطوش باسم أمنحتب الثالث، والرموز الثلاثة الشهيرة: عنخ (الحياة)، وس (السلطة)، وجد (الدوام).
نقلت كل هذه الكنوز إلى المتحف المصري بالقاهرة، حيث لا تزال مومياء يويا واحدة من أفضل المومياوات المحنطة في العالم.
اقرأ أيضًا: