
بعد مرور 35 عاما على الغزو العراقي الكويتي، لازلنا نتذكر أثر المأساة على عالمنا العربي، التي استيقظ فيها العالم على خبر غزو قوات صدام حسين العراقية لدولة الكويت. وإعلانه أنها مجرد محافظة تابعة إلى العراق.
لم يكن المصريون بمنأى عن هذه الأحداث، ففي عام 1990 كان عدد من يسكنون دولة الكويت، 2141465 نسمة، من بينهم 72% من الوافدين، بعدد يتجاوز مليون ونصف نسمة، وكان أكبر أعداد الوافدين من الهند، فيما كانت ثاني أكبر الجاليات هي الجالية المصرية.
كان هذا الغزو بمثابة مفاجأة كبيرة على المستويين السياسي والشعبي، فيخبرنا مصطفى الفقي – الذي كان يشغل منصب سكرتير رئيس الجمهورية للمعلومات والمتابعة حينها – أنه أيقظ الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك من نومه ليخبره بذلك الخبر، فتفاجأ لأن صدام حسين نفسه كان قد أخبره من قبل أنه لا ينوي من الأصل غزو الكويت. وقد انتقد مبارك هذه الخديعة التي أوقعه فيها صدام حسين في أحد التصريحات التلفزيونية بعد ذلك.
لكن كيف رأى المصريون هذا الحادث الكبير من وجهة نظرهم؟
يخبرنا شاهد عيان، كان في الكويت في ذلك اليوم 2 أغسطس -ويبلغ في ذلك الوقت أواخر عشريناته – أنه استيقظ في الخامسة فجرًا، ليذهب إلى عمله كمقاول في أحد المواقع الإنشائية، وفي الطريق رأى المجنزرات العسكرية، لكنه ظنها مجنزرات كويتية، وعندما وصل وجد أن المؤنة لم تصل، فقام بالاتصال بالمهندس ليسأله عن سبب عدم وصولها، ليقول له: ألا تدري؟! لقد غزت العراق الكويت؟!
دخلت القوات العراقية النظامية إلى داخل الكويت، واجتاحت المدينة، مسببة الكثير من الفوضى، ترافق هذا مع هروب عدد من القيادات الكويتية إلى السعودية عبر الحدود، من بينهم أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح، مع بقية أفراد عائلته.
استمع شاهدنا إلى الأخبار في راديو سيارته، لم تنطق الإذاعة الكويتية بشيء، فقد كانت بالفعل تحت السيطرة العراقية. ولكن أغلب الإذاعات العالمية كانت تذيع الخبر.
في يوم 3 أغسطس، وبعد ساعات كان عنوان الأهرام كالتالي:
الفوضى الكبرى
يقول شاهدنا أن ما حدث كان فوضى كبيرة، وأن الضباط الكويتين وزعوا السلاح الذي في أقسام الشرطة “المخافر” على المصريين الصعايدة، ليكونوا جهة دفاع شعبية، ولكن تلك الجهود كانت هباءًا، حيث قام الضباط بعد ذلك بالتسليم والهرب ناحية السعودية. وقال أنه بالفعل حاول الهرب مع جموع الهاربين بسيارته، إلا أنه تم إيقافه على الحدود السعودية عن طريق الدبابات العراقية التي كانت وصلت بالفعل إلى هناك.
الكويتيون يختبأون بين الصعايدة:
يذكر شاهدنا أنه كان يتم تتبع الكويتين في الأرض، وأنه انتقل للبقاء مع مجموعة من أصدقاءه من الصعيد، وقاموا بإيواء شاب كويتي بينهم، وأخفوه عن أعين العراقيين، فقاموا بحلاقة ذقنه وجعله يرتدي جلباب صعيدي، ولاسة فوق رأسه. لدرجة أنه عندما دخل الجنود العراقيين من الجيش الشعبي لتفتيش غرفهم، نصحوه، حيث “مثل أنه نائم بينهم” واكتفى العساكر بكشف وجهه، ثم تركوه، ورحلوا.
فوضى الجيش الشعبي العراقي
بعد أيام من دخول العراق، تشير عناوين الأخبار في الأهرام أنه تم سحب القوات النظامية من الجيش العراقي، وتم استبدالها بقوات الجيش الشعبي. لكن هل انسحبت فعلا؟
لم تنسحب القوات النظامية العراقية كذلك، ولكنها ظلت موجودة هذا ما يخبرنا به شاهد العيان وتعود لتؤكده جريدة الأهرام بعد ذلك أن هذا مجرد تلاعب. وأنه انتشر على أيدي هذا الجيش الشبعي العديد من المآسي.
بحسب شاهدنا ارتكب الجيش الشعبي العديد من الكوارث في الكويت، حيث يقول أن صديقه الكويتي الهارب أرسل له لإخفاء سيارته الجديدة، ولكن عندما ذهب ليحضرها وجدها أنه تم تفكيكها وهي واقفة على الأرض، وتم سرقة إطاراتها، وجهاز الكاسيت، إلخ.. ولم يبقى منها إلا كتلة حديد!.
يقول الشاهد: الفوضى كلها اللي عملها كان “الجيش الشعبي”.
على مدار أيام وبحسب شاهد العيان تم نهب الكويت، فيذكر أنه كان سائرًا بالقرب من الخليج، فوجد رتل من الدبابات متوقف، وبين كل دبابة ودبابة أجولة معبئة بالأوراق المالية، وفوق الدبابات كذلك.
ويذكر أنه في ظل هذه الفوضى، تم نهب شارع الجهرة الشهير، ومحلات الصاغة والساعات، والتي يصل سعر الساعة الواحدة منها إلى ألف دينار.
ويستطرد أنه ذات يوم ذهب إلى “الشويخ”، لأخذ سلع غذائية من مركز سلطان المتخصص في بيع السلع الاستهلاكية، فوجد أن الجيش الشعبي العراقي قد سيطر عليه، ونهبه، وأنه قدأ ملأ سيارات من بضائعه، ثم سمح للوافدين فقط من الدخول وأخذ ما يحتاجونه، وأن ذلك تم تحت صافرات أحد الضباط الذي كان يصفر بصافرته من أجل اخلاء المكان، وبعد أن تأكد أنه أصبح خاليًا ألقى عليه القنابل اليدوية وقام بتفجيره بالكامل.
مستغلو الفوضى
كما يحدث في أي فوضى وأي نظام ينهار، يظهر بعد المستفيدين من هذه الكوراث، فيذكر شاهد العيان أن جماعة من الوافدين الفلسطينين، قاموا بسرقة أختام المرور، ودفاتر الشركات، وصاروا يقومون بالختم على رخص السيارات المسروقة، وإصدارها بدفاتر الحكومة، مقابل عدد معلوم من المال.
في الوقت نفسه الذي قام فيه الجيش الشعبي بشحن سيارات وقطع غيار على “تريلات” إلى العراق، من الكويت؛ المحافظة رقم “19” الجديدة.
محاولات للسيطرة على الوضع
يقول شاهدنا أن صدام حسين أعطى الأمر بإعدام اثنين من العراقيين، لارتكابهم جريمة النهب، وتم تعليق جثتيهما أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون الكويتي لمدة ثلاثة أيام. وأن اثنين من المصريين تم إطلاق النار عليهما أثناء محاولتهما الهروب بسيارة مسروقة، ولكن كان من الصعب إعادة النظام مرة أخرى في وسط هذه الفوضى.
السفارة المصرية والمصريون
في خبر صغير على طرف الصفحة الأولى من جريدة الأهرام يشير عامود أن السفير المصري يحاول مساعدة المصريين وأن اثنين من المواطنين المصريين لقوا مصرعهم خلال هذه الفوضى، ولكن شاهد العيان ينفي وجود أي محاولات حقيقية على أرض الواقع للسيطرة على هذه الفوضى. خاصة مع العدد الضخم للمصريين هناك.
أزمة السلع والدم
يخبرنا شاهد العيان ان الأزمة بدأت بالتفشي بعد ذلك، وأن حليب الأطفال كان أكثر السلع المطلوبة، ولذلك فهو لم يجد بُد – وهو الذي كان قد انتقل للعيش مع خاله وأسرته في منطقة أخرى، بسبب هذه الكارثة – ولذلك فقد ذهب إلى صديق كويتي له، قام بإعطائه عدد من علب الحليب تلك، ولكن عندما ذهب إليه مرة أخرى، فتحت له الخادمة الآسيوية الباب، فسألها عنه: “وين بابا؟”، فأشارت له نحو صندوق: “بابا في الصندوق!”. ليعرف أنه تم قتله، وأنه تم وضع جثته مع أطفاله في صندوق الزبالة. بعد ان طمع واحد من عسكر الجيش الشعبي في زوجته.
يخبرنا في أسى أنه أثناء وقوفه عند الباب خرج عسكري من داخل المنزل، ونهره:”ماذا تريد”!!، قال أنه جاء ليطلب الخبز فقط، فقال له: أرحل الآن!.
يذكر بحزن أنه رأى صورة الطفل القتيل بعد ذلك في نشرات الأخبار، وأنه لازال يتذكر قصة شعره المرخاة على جبينه والتي تشبه “الليل” في السواد.
الهروب من الجحيم
بعد 25 يومًا من العذاب، قرر شاهدنا الهروب مع خاله وزوجته وابنائهما، وطفلين مصريين من بورسعيد، كان والدهما قد سافرا إلى مصر يوم 1 أغسطس لحضور جلسة محكمة، على أمل العودة يوم 2 أغسطس، لكن الحرب وقفت حائل دون تلاقيهما.
يحكي شاهدنا قصة الهروب عبر العراق، حيث كان الطريق الوحيد المفتوح عن طريق العراق، ويحكي أنه ركب السيارة مع الطفلين، وجار لهما، كان يملك بعد الممتلكات التي طمع فيها العساكر أثناء نقطة التفتيش، ويخبرنا أنه رفض اعطائهم إياها، فقاموا بسحبه إلى الجبل، حيث لم يره ثانية، وسألوه عن الأطفال: أولادك؟ قال نعم، فأمروه بأن يقود السيارة مسرعًا، ويذهب.
دخل الحدود العراقية، حيث تم ختم جواز سفره من بغداد، فيقول أن الختم كان يعني أن لا يعود مرة أخرى إلى الكويت أو إلى العراق. ومن هناك سار إلى مدينية “طريبيل” على الحدود مع الأردن، ومن هناك، تم نقلهم عمان، حيث طلع لطائرة حربية سعودية عاد منها إلى مصر، بفضل الطفلين، حيث صعد معهما كأسرة. وعندما عاد إلى القاهرة سلمهما إلى والديهما في النهاية.
يخبرنا شاهدنا في أسى: أن غزو صدام للعراق كان بداية خراب المنطقة بالكامل
اقرأ أيضًا:
كريستين تشوبوك.. أول عملية انتحار على الهواء مباشرة في التاريخ