الفنتقاريرسلايد

“قضية الأمير الشرقي”… مأساة علي فهمي وفتاة باريس

لم يكن علي فهمي سوى شاب مصري في مقتبل العمر، ورث عن والده، علي باشا فهمي، ثروة طائلة شملت آلاف الأفدنة، وعددًا من القصور، وأرصدة بنكية ضخمة.

كان عمره حينها لا يتجاوز الثالثة والعشرين، ومع ذلك اختار أن يسخّر هذه الثروة الهائلة لإشباع رغباته الشخصية. ولِما كان يبذله من أموال ببذخ في أوروبا، أطلق عليه هناك لقب “الأمير الشرقي”.

لقاء القدر: علي فهمي وفتاة الملاهي الباريسية

في عام 1922، التقى علي فهمي بفتاة فرنسية تُدعى مارجريت ميلر، تكبره بعشر سنوات، وكانت تعمل مغنية في أحد الملاهي الليلية بباريس.
وبحسب ما أورده الكاتب صلاح عيسى في كتابه “مأساة مدام فهمي”، فإن مارجريت لم تكن امرأة عادية، بل كانت صاحبة تجارب عديدة، ولديها ابنة غير شرعية من علاقة سابقة.

ورغم كل ذلك، لم يتردد علي فهمي في الزواج بها، وتم عقد قرانهما في باريس في ديسمبر من نفس العام، بعد أن أقنعها باعتناق الإسلام، وسمّاها “منيرة”، وهو نفس اسم والدته.

قصر في الزمالك وحياة من الترف

أنشأ علي فهمي قصرًا فخمًا لزوجته في حي الزمالك، بلغت تكلفته 120 ألف جنيه – مبلغ ضخم في ذلك الوقت – وأنفق عليها بسخاء يفوق الوصف.
نشرت صحيفة الأهرام حينها أن قيمة ما أنفقه عليها وصل إلى مليون جنيه، شملت ملابس فاخرة ومجوهرات باهظة الثمن.

إلا أن الحياة الشرقية لم ترق لمارجريت. رفضت التقاليد، ورفضت حياة “الأبواب المغلقة”. كانت تعشق الحفلات، الرقص، والخمر، مما تسبب في توتر دائم بينها وبين زوجها، الذي لم يتقبل طريقتها.
أدى ذلك إلى مشاجرات متكررة، كان علي فهمي أحيانًا يضربها ثم يعتذر. علاقة مليئة بالعنف والغيرة.

 النهاية الدامية في فندق سافوي

سافرا إلى لندن، حيث عاشا هناك فترة قصيرة. وفي ليلة هادئة، بعد مشاهدتهما لمسرحية The Merry Widow (الأرملة الطروب)، نشب شجار بينهما في غرفة فندق سافوي.

طلبت مارجريت السفر إلى باريس لرؤية ابنتها وإجراء جراحة لها، لكن علي رفض، احتدم الخلاف، وانتهى بأن أطلقت عليه ثلاث رصاصات أردته قتيلًا.

 محكمة بريطانية… وامرأة بارعة في الدفاع

تم القبض على مارجريت فورًا، وأُحيلت إلى المحكمة. استعانت بالمحامي الشهير السير مارشال هول، الذي تقاضى 3000 جنيه نظير دفاعه عنها – مبلغًا ضخمًا في ذلك الزمان.
كما أنفقت 4500 جنيه إضافية لحشد الدعم الإعلامي، وتصوير نفسها كضحية مضطهدة.

خلال المرافعة، ركّز المحامي على تصوير زوجها كـ”وحش شرقي”، مقابل تقديمها كـ”امرأة أوروبية عفيفة”، اختُطفت من حضارة الغرب إلى “ظلام الشرق”، فاضطرت للدفاع عن نفسها.

قال هول في مرافعته الشهيرة:

“نحن أمام امرأة خُدعت بحيلة شرقية ماكرة، لتقضي شهر العسل بين الوحوش، وتدافع عن نفسها ضد ذئب كان يريد افتراسها.”

انحاز الرأي العام والصحف البريطانية والفرنسية لمارجريت، وأصدرت المحكمة حكمًا ببراءتها، بحجة الدفاع عن النفس.

 من القتل إلى المطالبة بالميراث!

لم تكتفِ مارجريت بالبراءة، بل طالبت بمستحقاتها المالية، فرفعت دعوى للحصول على 6 آلاف جنيه كمؤخر صداق.
أقرت المحكمة الشرعية بمطالبها، واعتبرت المبلغ دينًا، وليس ميراثًا.

لاحقًا، طالبت بميراث يساوي ربع ثروة زوجها القتيل. لكن وفقًا للشريعة الإسلامية، لا يُورّث القاتل.
ورفضت المحكمة الشرعية العليا – برئاسة الشيخ طه حبيب – منحها شيئًا من التركة، مؤكدة عدم اعترافها بحكم البراءة البريطاني.

الشيخ طه حبيب

ومع الضغط السياسي من الملك فؤاد ورضوخًا للمندوب السامي البريطاني، حاول القصر فرض قرار يُمكّنها من الإرث.لكن الشيخ طه حبيب رفض الامتثال، فتم عزله من القضاء بسبب موقفه.

 القصة تُروى في المسرح والسينما

تحولت هذه القصة المثيرة إلى عمل فني قدّمه الفنان الكبير يوسف وهبي، من خلال مسرحية جسّدت علي فهمي كضحية، ومارجريت كقاتلة، ثم تم تحويل المسرحية إلى فيلم بعنوان “أولاد الذوات”.

وقد تسببت هذه المسرحية في توتر العلاقة بين وهبي وزوجته عائشة هانم فهمي، شقيقة القتيل، والتي ورثت القصر الذي أصبح لاحقًا قصر عائشة فهمي في الزمالك – مركزًا للفنون لاحقًا.

فيلم أولاد الذوات

ورحلت مارجريت ميلر في صمت عام 1971، ونُشر نعي صغير لها في عمود الوفيات بجريدة “الفيغارو” الفرنسية، معلنًا وفاة “البرنسيس فهمي”، ودفنها في مدينة نيولي الفرنسية، دون ضجيج… كما لو أن كل ما جرى كان مشهدًا من مسرحية أسدل الستار عليها أخيرًا.

أقرأ أيضا 

هبة نور.. من “عندليب الدقي” إلى سنوات الغياب والعودة

فرانز رايشلت: الخياط الطائر الذي مات من أجل اختراعه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!