المقالاتسلايد

محاولة اغتيال النبي في العقبة: 12 ملثم في الظلام

12 ملثمًا في الظلام

مثلت محاولة اغتيال النبي محمد ﷺ في العقبة واحدة من أخطر مؤامرات المنافقين في العهد المدني، وقد وقعت أثناء عودته من غزوة تبوك سنة 9 هـ. وقبل عامين من وفاته، تكشف هذه الحادثة عن حجم الحقد والعداوة التي كانت تضمرها بعض العناصر المنافقة داخل المجتمع الإسلامي في المدينة، ومدى خطورة التحديات الداخلية التي واجهها النبي ﷺ، إلى جانب التهديدات الخارجية.

بعد غزوة تبوك

خرج النبي ﷺ بجيش ضخم بلغ ثلاثين ألفًا إلى تبوك لمواجهة الروم، ولم يقع قتال فعلي، لكن الغزوة كانت اختبارًا حقيقيا لتمييز المؤمنين من المنافقين. وفي طريق العودة إلى المدينة، قرر النبي أن يسلك طريقًا جبليًّا يُعرف بـالعقبة، يمر عبره عدد قليل من الناس لضيق مسلكه وخطورته. بينما سلك الجيش طريق الوادي الأوسع.

والعقبة  سميت كذلك لأنها عسيرة المسالك يصعدها القادم من تبوك بعد تجاوزه وادي أتانه وهي ضمن جبال صعبة المسالك محصورة بين ذات الزراب (أم زراب) وبين رأس الوادي الأخضر.

تفاصيل المؤامرة

روى ابن إسحاق في “السيرة النبوية” أن عددًا من المنافقين، قدروا بـاثني عشر رجلًا، اتفقوا سرًا على أن يتربصوا بالنبي ﷺ في العقبة، وأن يدفعوه من فوق الناقة ليلقى حتفه، في حادث يبدو كأنه غير مقصود. حيث يسقط من فوق الناقة في جرف.

قال ابن إسحاق:

«فانحدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر الناس أن يسلكوا العقبة، وأمر حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر أن يمشيا معه، وأخبرهما أن نفرًا من المنافقين قد هموا أن يطرحوه في العقبة…»
(ابن هشام، السيرة، 4/180)

كان النبي ﷺ يمتطي ناقته، بينما حذيفة يقودها، وعمار يسوقها من الخلف. وحين اقترب المنافقون في الظلام، كانوا قد تلثموا حتى لا يُعرفوا، وامتطوا الخيل عكس التيار، متجهين نحو النبي ﷺ من الخلف.

إحباط المؤامرة

بحسب الرواية، أطلَعَ جبريلُ عليه السلام النبي ﷺ على نواياهم، فأمر حذيفة وعمار بالتصدي لهم.

فأشعل حذيفة النار وصاح بهم، فتفرقوا مذعورين، واختلطت خيولهم، وكاد بعضهم أن يسقط في الوادي. ولم يُقبض عليهم، لكن النبي أخبر حذيفة بأسمائهم، وقال له:

“يا حذيفة، هل عرفت القوم؟” قال: “عرفت عامة ركائبهم”
(ابن كثير، البداية والنهاية، 5/20)

ومنذ ذلك الحين، عرف حذيفة بـ”صاحب سر رسول الله”، لأنه كتم أسماء المنافقين حتى بعد وفاة النبي، رغم طلب الصحابة منه بقول السر، ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

الموقف النبوي من الجناة

رغم خطورة الفعل، لم يعلن النبي ﷺ عنهم، ولم يعاقبهم علنًا. وفسر العلماء هذا الموقف بحكمة النبي السياسية والشرعية، خشية أن يقول الناس إن محمدًا يقتل أصحابه.


وهذا يتفق مع ما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى:

“وهموا بما لم ينالوا”
(سورة التوبة: 74)

وقد اعتبر المفسرون هذه الآية إشارة إلى حادثة العقبة، كما جاء في تفسير الطبري:

“وهموا برسول الله في العقبة حين أرادوا طرحه منها، فأطلع الله نبيه على ما هموا به، فذلك ما لم ينالوا.”
(الطبري، تفسير التوبة: 74)

كشفت محاولة العقبة عن أمرين خطيرين:

  1. أن المنافقين لم يكونوا مجرد معارضين خاملين، بل كانوا مستعدين لتنفيذ اغتيال جسدي.

  2. أن النبي ﷺ، رغم سلطته، لم يلجأ للعنف ضدهم، بل فضّل أن يحتوي الأزمة دون فتنة داخلية، خاصة بعد فتح مكة وانتشار الإسلام في الجزيرة.

المراجع:

  • ابن هشام، السيرة النبوية، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي.

  • ابن كثير، البداية والنهاية، ط دار الفكر.

  • الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن.

  • ابن إسحاق، السيرة النبوية (من رواية ابن هشام).

  • ابن سعد، الطبقات الكبرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!