تقاريرسلايد

“ثلاثة أيام مرعبة”.. القصة الكاملة لاقتحام السفارة المصرية في أنقرة 1979

السفارة المصرية بتركيا

 

في البدء كانت سيارة صفراء..

في صباح يوم 13 يوليو 1979، وقفت سيارة مرسيدس صفراء اللون أمام السفارة المصرية في أنقرة، في شارع أتاتورك المزدحم،  كان المشهد عادياً حتى تلك اللحظة،  لكن ما حدث بعد ذلك حوّل اليوم إلى واحدة من أكثر الأزمات دموية في تاريخ الدبلوماسية المصرية الحديثة.

 نزل أربعة رجال بوجوه غامضة من السيارة، بينما اختفى السائق بسرعة جنونية في زحام الشوارع التركية. لم يعرف أحد حينها أن هؤلاء الرجال سيصبحون مركز اهتمام العالم لثلاثة أيام متواصلة.

بسرعة البرق، أخرجوا أسلحتهم من تحت ملابسهم وأطلقوا النار على حارسي السفارة التركيين، ليسقطا على الفور قتلى، دون أن يعرفا بأي ذنب قتلا.

بوفاة الحراس، أصبحت السفارة مكشوفة لهم، فاقتحموا المبنى وسط ذهول المارة، معلنين بداية حصار سيطبق أنفاس العالم، وسيتابعه الجميع، خاصة القيادة السياسة في مصر.  

رهائن ومطالب مستحيلة

داخل السفارة، كان الموظفون في حالة من الفوضى والخوف والرعب والفزع والقلق المشوب بالآف علامات الاستفاهم، التي لم يجدوا أجابة لها.

 أمسك المسلحون بـ 20 رهينة، بينهم السفير المصري أحمد عبد الرحيم كامل، الذي كان يعاني من مشاكل في القلب وموقف كهذا من الممكن أن يؤدي بحياته دون أن يفعل الخاطفون شيئا، مما زاد من خطورة الموقف.

 ألقى الخاطفون من النافذة بياناً مكتوباً حددوا فيه مطالبهم للسلطات التركية، بيانا كتبوه باللغة العربية: 

– الإفراج عن سجينين في مصر هما يوسف سليم وإبراهيم الدية، والمحكوم عليهما بتهمة تهريب متفجرات، والمقبوض عليهم لدى السلطات المصرية.

– قطع تركيا علاقاتها مع مصر وإسرائيل 

– الاعتراف بدولة فلسطينية.   

– توفير طائرة لنقلهم ورهائنهم إلى بلد عربي، لم يسموه.   

كانت المطالب واضحة، لكن تحقيقها كان مستحيلاً، فالقيادة المصرية لن تفرج عن مجرمين متورطين في جريمة إدخال متفجرات للبلد..

 لكن كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ 

قبل عامين من الحادثة، وتحديداً في نوفمبر 1977، وقف الرئيس المصري محمد أنور السادات أمام مجلس الشعب، وأعلن استعداده للذهاب إلى “الكنيست الإسرائيلي” لتحقيق السلام، تصور البعض، أن كلام السادات نوع من المبالغة، لكن سارت الأمور سريعة، وحدثت الزيارة بالفعل، فكانت كلماته صادمة للعالم العربي، وخاصة للفلسطينيين الذين رأوا في هذه الخطوة خيانة لقضيتهم، وتفريغها من مضمونها، وفقدانهم لمصر الداعم الأول للقضية الفلسطينية، بل وسيزيد اسرائيل قوة فوق قوتهم، فالجيش الذي كان بالأمس يحاربهم، سيقيم اتفاقية سلام معهم، هكذا فكر الفلسطينيون.

وبالفعل، ذهب السادات إلى القدس، وألقى خطابه الشهير، وبدأت مفاوضات السلام التي انتهت بتوقيع معاهدة كامب ديفيد في مارس 1979، ليشعل الأمر غضباً عارماً لدى بعض الفصائل الفلسطينية، التي رأت أن مصر “تتخلى عن العرب” لصالح إسرائيل، بعيدا عن مقاطعة العرب لمصر، ونقل مقر جامعة الدول العربية لتونس، وفصل مصر من الجامعة العربية، وتعيين أمين جديد لجامعة الدول العربية هو الشاذلي القليبي، وهو الأمين الوحيد الذي تولى رئاسة الجامعة العربية ولم يكن مصريا، كان هناك عدد من الشخصيات العامة على قائمة الاغتيالات، على رأسهم السادات نفسه، واغتالت الفصائل الفلسطينية الأديب يوسف السباعي في قبرص.

ففي فبراير 1978، اغتيل الكاتب المصري يوسف السباعي في قبرص على يد مسلحين فلسطينيين، لكن عملية السفارة المصرية في أنقرة كانت أكثر جرأة وتأثيراً.   

حصارة لمدة 3 أيام 

بعد دقائق من الاقتحام، حاصرت الشرطة التركية المبنى، لكن المسلحين ردوا بإطلاق النار العشوائي وإلقاء القنابل اليدوية، مما أدى إلى إصابة أحد رجال الشرطة. داخل السفارة، كان الرهائن في حالة من الرعب، خاصة السفير المصري أحمد عبد الرحيم كامل الذي كان يعاني من ضعف في القلب.

 في القاهرة، تلقى الرئيس السادات الخبر بقلق، وطالب الحكومة التركية بالتعامل بحذر لتجنب إراقة الدماء. وفي الوقت نفسه، اتهمت مصر منظمة التحرير الفلسطينية بالوقوف وراء الهجوم، وهو ما نفته المنظمة بشدة، ودخلت كطرف لحل الأزمة.

في أنقرة، عقد رئيس الوزراء التركي بولنت أجاويد اجتماعاً طارئاً مع كبار المسؤولين، بينما عرضت عدة دول عربية، بينها سوريا وليبيا، وساطتها لحل الأزمة. 

اليوم الثاني: محاولات هروب 

 

مع بزوغ فجر اليوم الثاني، حاول بعض الرهائن الهروب. نجح اثنان في الفرار من نافذة الطابق الأرضي، لكن عندما حاول ثالث القفز من الطابق الثاني، سقط ميتاً على الفور، بينما أصيب آخر بجروح خطيرة. حاولت الشرطة إنقاذه، لكن المسلحين أمطروهم بوابل من الرصاص، مما أجبر القوات على التراجع مؤقتاً.

 تحول شارع أتاتورك إلى ساحة معركة حقيقية. انتشرت السيارات المدرعة، وتمركز القناصة على الأسطح، وحاولت الشرطة استخدام خراطيم المياه لصد الهجمات. وفي الليل، وجهت الأضواء الكاشفة نحو السفارة، لكن تهديد المسلحين بتفجير المبنى بأكمله مع الرهائن أجبر السلطات على إطفاء الأنوار.

اليوم الثالث: المفاوضات الحاسمة

في صباح اليوم الثالث، دخلت منظمة التحرير الفلسطينية على الخط. وصل أبو فراس، مبعوث ياسر عرفات، على متن طائرة تركية خاصة، وبدأ على الفور في التفاوض مع الخاطفين، وبعد أقل من نصف ساعة، حدث ما لم يتوقعه أحد.

 خرج المسلحون الأربعة من السفارة وهم يهتفون: “تحيا الثورة الفلسطينية! تحيا فلسطين!” ثم صافحوا وزير الداخلية التركي، وأخرجوا السفير المصري ورفعوا يده في إشارة إلى “النصر”.

استسلم المسلحون وسلموا أسلحتهم، لكن المفاجأة الحقيقية كانت في هويتهم… 

الكشف عن الوجوه الحقيقية للخاطفين

في المحكمة، تبين أن المهاجمين ليسوا جميعاً فلسطينيين، بل كانوا خليطاً من جنسيات مختلفة: 

1 – مروان شعبان – لبناني من مخيم الرشيدية للاجئين.

2 – حسن سليمان – فلسطيني من نفس المخيم. 

3- محمد ديب بركات – سوري الجنسية. 

4- مصطفى بسيس- لبناني من بيروت.  

No photo description available.

وألقت الشرطة التركية القبض على ثلاثة أتراك متهمين بمساعدتهم في التخطيط للعملية، بينما اتهمت سكرتيرة السفارة “بحر أوزتورك” بتسهيل المهمة للخاطفين. 

 المحاكمة والإعدام

في عام 1980، حكم على الأربعة بالإعدام، لكن المحاكمة أعيدت بسبب عدم ثبوت “القتل مع سبق الإصرار”. وبعد ثلاث سنوات، في 1983، صدر الحكم النهائي بإعدامهم، بعد عامين فقط من اغتيال الرئيس السادات نفسه. 

أقرا أيضا

من الكفَن إلى كلمة الشرف.. كيف انتهت أزمة عادل إمام مع قبيلة العجارمة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!