
في عام 2005، لمع نجم الفنانة المعتزلة حنان ترك من خلال مسلسل “سارة”، الذي حصد حينها نجاحًا جماهيريًا واسعًا، واعتُبر من أبرز الأعمال الدرامية التي تناولت قضايا إنسانية عميقة، مما جعله “فرس الرهان” في الموسم الدرامي لذلك العام، وحقق أعلى نسبة مشاهدة.
من الشاشة إلى السينما… ولكن
في نفس العام، عُرض على حنان ترك تحويل المسلسل إلى فيلم سينمائي من إخراج المخرج الكبير **شريف عرفة**، مع إجراء بعض التعديلات على القصة وتغيير اسم العمل، استغلال للنجاح الجماهيري الكبير الذي حققه العمل، لكن حنان رفضت العرض، معللة ذلك بعدم قدرتها النفسية على إعادة تقديم شخصية “سارة” مرة أخرى.
وفي تصريح لها لصحيفة “البيان الإماراتية”، قالت حنان: “رفضت تجسيد الشخصية مجددًا لأسباب عدّة، أبرزها شعوري بالتكرار دون إضافة درامية حقيقية، كما أن هذا النوع من الموضوعات لا يناسب شاشة السينما، وقد لا يحقق نجاحًا تجاريًا، مما يجعل التجربة محفوفة بالمخاطرة.”
لكن يبدو أن حنان كانت تخشي فقط من فكرة نجاح الفيلم من عدمه، لأنها وافقت على تقديم جزء ثاني من العمل، للأسف لم يُكتب له الظهور على شاشات التلفزيون.
من هي “سارة” الحقيقية؟
كشفت حنان ترك في حوار صحيفة البيان أن القصة الأصلية كتبها المؤلف الراحل **مهدي يوسف**، استنادًا إلى قصة حقيقية، تدور القصة حول فتاة أصيبت بصدمة نفسية وهي في الرابعة من عمرها بعد مشاهدتها لحادث مؤلم، مما أدى إلى توقف نموها العقلي، وبقائها طريحة الفراش لأكثر من 20 عامًا، ولاحقًا، انتقلت للعلاج في الولايات المتحدة، حيث تماثلت للشفاء وعادت لممارسة حياتها بشكل طبيعي. بل وتحوّلت إلى **فنانة تشكيلية** بارزة في مجال “المدرسة الواقعية”، وقدّمت معارض فنية ناجحة في نيويورك.
ورغم سرد حنان لهذه القصة المؤثرة، فإنها امتنعت عن ذكر اسم البطلة الحقيقية احترامًا لخصوصيتها، وقالت حنان في لقاءات صحفية عن فكرة استفادتها من البطلة الحقيقية في الوصول لجوهر الشخصية: ““لا أعرف شيئا عن البطلة الحقيقية لقصة سارة ولم التق بها في أي مكان، وكل معلوماتي أن هناك فتاة أصيبت بأزمة نفسية وهى طفلة عمرها 4 سنوات عقب مشاهدتها لحادث مؤلم”.
وتحدثت حنان عن التحضيرات الطويلة والدقيقة التي خاضتها قبل أداء الدور: “”عانيت من آثار نفسية مرهقة بعد تجسيدي للشخصية. فقد أمضيت شهورًا في الاستعداد، تخللها إقامة كاملة في مركز طبي متخصص في علاج حالات الإعاقة الذهنية، وخضعت لتدريبات مكثفة تحت إشراف مدير أحد المعاهد المتخصصة، وجلست لساعات طويلة مع أطباء علم التخاطب، لاتعرف على تفاصيل دقيقة تمكّني من التوحد التام مع الشخصية.
وأضافت: “عشت الشخصية بكل تفاصيلها، حتى أنني خصصت غرفة داخل منزلي للاحتفاظ بملابسها وإكسسواراتها، لما تمثله من قيمة وجدانية وفنية في مشواري، فقد كانت سارة كالطفل الذي تراه يكبر أمامك، وتريد أن تحتفظ بتذكار من أشيائه.
قصة الجزء الثاني من “سارة” الذي لم يرَ النور
في نوفمبر 2005، نشرت صحيفة “القبس” الكويتية خبرًا عن بدء التحضيرات للجزء الثاني من المسلسل، وكان من المقرر أن تتولى المخرجة شيرين عادل إخراجه (هي مخرجة الجزء الأول)،، وعقدت بالفعل عدة اجتماعات مع المؤلف مهدي يوسف والمنتج محيي زايد للاتفاق على تطور الأحداث وتفاصيل الشخصية، لكن المشروع لم يكتمل، وتعرض لسلسلة من التأجيلات، قبل أن يتلاشى تمامًا وتُطوى صفحته، بعد اعتزال حنان ترك ووفاة المؤلف مهدي يوسف.
حقق المسلسل نجاحا كبير، بسبب حالة التعاطف الشديدة مع سارة التي تعيش في جسد فتاة كبيرة لكن بعقل طفل صغير، يجعلها تتعرف على الدنيا من جديد، وعبر تتر المسلسل عن هذه الحالة:
” كان ياما كان
كان فيه عصفور
قلبه صغير
ريشه قصير
حلمه يرفرف بره السور
كان إنسان
من طين من نور
كان بيدور
على اللي يخضر
قلب الناس القاسي البور
فتاة تنتحر بسبب سارة
في سنة 2006، نشر الزميل سامي عبد الراضي بصحيفة المصري اليوم، خبرا عن فتاة في سوهاج انتحرت بسبب مشهد تعذيب بطلته حنان ترك علي يد صاحبة مقهي.
وجاء في تفاصيل الخبر: نجلاء ثابت سيد (17 سنة) فتاة في سوهاج شاهدت حلقة من مسلسل «سارة» وتأثرت بمشهد تعذيب بطلته حنان ترك علي يد صاحبة مقهي، أصيبت الفتاة بنوبة صداع وروت لصديقاتها أحداث المسلسل، وفي اليوم التالي تسللت إلي حديقة صغيرة خلف منزلها، صعدت فوق شجرة «نبق» وصنعت مشنقة بالإيشارب الذي ترتديه وأنهت حياتها، بعد ساعة اكتشف والدها الواقعة وتجمع الجيران وأبلغوا العميد صلاح مازن مأمور مركز طهطا، تحرر المحضر رقم 984 إداري طهطا بالواقعة وأخطرت النيابة للتحقيق”.
وبعد نصف ساعة استيقظ والدها وأثناء تجوله في الحديقة شاهد ابنته متدلية من الشجرة، صرخ بأعلي صوته، وتجمع جيرانه واكتشفوا الوفاة، انتقل رجال المباحث والعقيد خالد شلبي رئيس فرع البحث الجنائي لمسرح الجريمة، واستمعوا لأقوال والدي الضحية، وتبين من التحريات حُسن سير وسلوك الفتاة، أيد مفتش الصحة أقوالهم بأنه لا شبهة جنائية في الحادث.
ويظل مسلسل “سارة” علامة فارقة في تاريخ الدراما المصرية، ليس فقط بسبب فكرته الإنسانية العميقة، بل أيضًا بفضل الأداء المتقن الذي قدمته حنان ترك، والذي ارتبط وجدان الجمهور به.
أقرا أيضا