
في شهر ديسمبر كل عام يحتفل الفنان محمد سعد بعيد ميلاده، وتحديدا في 14 ديسمبر 1968، سعد الذي يدخل عامه السادس والخمسين، مرت تجربته الفنية بمنحنيات صعود ومنحنيات هبوط، ويمكنني القول إن محمد سعد يتحمل بمفرده، تدمير تجربته بنفسه، الأمر الذي يشبه عملية الاحتراق الذاتي..
مع بداية بزوغ نجم محمد سعد بشخصية الناظر، وضع نفسه في مرحلة جديدة، ساعدته فيها موجة المضحكين الجدد، وتمنى لو قدمه أحمد بشخصية اللمبي في فيلم منفصل، وبعد تجربة أقل من المتوسطة مع حلمي في “55 أسعاف”، وعد صناعها بجزء ثاني لها يحمل اسم “66 مطافي”، لكن لأن التجربة لم تحقق النجاح اللازم، لم يتحقق الوعد حتى الآن.
لكن طوق النجاة أرسله له الأخوان سبكي بفيلم “اللمبي”، من كتابة مخترع الشخصية أحمد عبد الله، ومخرج برامج يخوض تجربة الإخراج لأول مرة هو وائل إحسان، وكان أقصى ما يطمح إليه صناع الفيلم هو 5 مليون جنيه إيرادات… لكن ما توقعوه كان أقل بكثير من البركان الذي حدث.. أكثر من 22 مليون جنيه في سنة 2003، في متوسط سعر تذكرة (أسعار الحفلات الصباحية .. بلكون 5 جنيه … صالة 3 جنيه).. وبحسابات التضخم يكون اللمبي واحدا من أكثر الأفلام تحقيقا للإيرادات في تاريخ مصر.
السؤال الذي كان على محمد سعد أن يسأله ماذا بعد اللمبي؟
كانت الإجابة باللي بالي بالك، مع شركة العدل جروب، بعد خلاف على أحقية كل شركة باسم اللمبي، فاختاروا اسم سيم “اللي بالي بالك”، نجح الفيلم وحقق نجاحا كبيرا، لكن أقل بكثير من اللمبي، أقل 4 مليون جنيه مرة واحدة، لكن على الجانب الأخر، حصل محمد سعد على مليون جنيه أجر، وثبت نفسه كنجم يحقق الإيرادات، وباتت الشركات تتسابق للحصوصل على توقيعه.
بعد اللي بالي بالك يقدم فيلم عوكل، وتظهر سمة من شخصية محمد سعد، الرجل الذي يتدخل في عمل المخرجين، وإنه يستعين بوائل إحسان لأنه مخرج طيع لا يتبرم من تدخلات سعد، فيكون البحث عن مخرج مختلف..
وكان عليه في هذه المرحلة، ألا يقدم المتاح له، في عز نجوميتك عليك أن تُملى شروطك التي تضمن النجاح، وظل محمد سعد يقدم، وفي كل مرة يسير المنحنى صعودا وهبوطا، يدخل عوكل بعد اللي بالي بالك، ويحقق نجاحا، لكنه في عوكل يثير أزمة مع المخرجة ساندرات نشأت فتترك له العمل ويستعين بالمخرج محمد النجار، لكن الإيرادات ما زالت هي الحصن الذي يختبئ خلفه..
ثم يقدم مع رامي إمام فيلم بوحة، واحد من أفضل أفلامه، لكنه لا يمرر الموضوع بدون خلاف، فيدخل في خلاف وقطيعة مع الملحن عصام كاريكا بسبب تدخله في كلمات الأغنية، وكان المقطع يقول “أومرني هتلاقيني تحت السلم بنام”، لكن محمد سعد أصر أن تكون “أومرني هتلاقيني سجادة بين إيديك”، ومرت رؤية سعد لكن بقطيعة مع كاريكا.
بعدها دخل محمد سعد بداية النفق المظلم مع فيلم كتكوت، والذي قدم فيه أداءا جيدا للغاية، لكن الفيلم لم يحقق الإرادات المرجوة منه، فقدم في العام التالي فيلم كركر، وقدم في الفيلم أربع شخصيات دفعة واحدة، لكن الفيلم لم يحقق النجاح المأمول، كان على سعد في هذه اللحظة أن يتوقف ويعيد حساباته لكنه لم يفعل..
في بوشكاش حدثت ألف مشكلة ونيف، عد التعاقج مع عمرو عرفة، اختلف المخرج معه، لكن الوسطاء تدخلوا لاتمام الأمر، سافر الحميع لكوبا لتصوير المشاهد الخارجية للفيلم، لكن سعد زادت تدخلاته، فانسحب من الفيلم المخرج عمرو عرفة والفنانة نور اللبنانية والفنان يوسف شعبان، بل والأنكى أن شرايط الفيلم التي تم تصويرها تلفت، وكان على شركة الغنتاج أن تعيد تصوير الفيلم من الأول، فتم إعادة كتابة الفيلم من البداية وتم إلغاء فكرة السفر للخارج، الفيلم لم ينجح سينمائيا، لكنه حقق شعبية كبيلاة مع جمهور السوشيال ميديا وعند عرضه تلفزيونيا..
عرفنا الآن أزمة محمد سعد مع المخرجين، فلماذا لا يخرج أفلامه بنفسه، أو يتركهم يؤدون عملهم، ودعني أضرب لك مثالا عن هذه الأزمة التي لم يستطع محمد سعد مغالبتها.. في فيلم مثل فيلم محمد حسين، تناوب عليه 5 مخرجين، 5 مخرجون، أولهم كريم السبكى بسبب انشغاله فى فيلمه “الديزل” مع محمد رمضان، فتم ترشيح المخرج وليد الحلفاوى فاعتذر، ثم المخرج أكرم فريد فاعتذر، ثم أحمد خالد أمين، والذي قال إنه اعتذر بعد جلستين عمل فقط مع محمد سعد، حيث وجد تدخلات كبيرة من صاحب شخصية اللمبي، فى كل التفاصيل ولم يستطع التفاهم معه.
ليحل اسماعيل فاروق كطوق نجاة لهذا الفيلم الجملي، لكن المخرج الذي جاء كطوق نجاة ألقى نفسه في البحر هربا من تدخلات سعد، وانتهى المطاف بالتعاقد مع المخرج محمد علي والذي أرفع له القبعة على أعماله الفيلم، لكن الفيلم لم يحقق نجاحا يُذكر.
أزمة الغياب
بعد بوشكاش توقف محمد سعد لعامين كاملين دون أن يقدم أي شيء، وعامين في عمر بطل شباك مثل محمد سعد هي فترة طويلة، ووقتها خرجت الشائعات عن دخوله في غيبوبة، ثم عاد بفيلم “اللمبي 8 جيجا”، محمد سعد أشبه بالجزار الذي عنجما تزداد مشاكله يقلب في دفاتره القديمة، هنا تقليب محمد سعد أسفر له عن شخصية اللمبي من جديد،
ثم تأتي الثورة، لا بد لفنن مثل محمد سعد أن يتوقف في هذه الفترة يدرس ويخطط، ويعرف ما هي اتجاهات الجماهير، لكنه قدم فيلم “تيك تيك بوم”، وخرج من جراب الحاوي شخصية رياض المنفلوطي، التي من المفترض انها انتهت في الفيلم، لكنه اعادها للحياة، وكانت من أسخف شخصياته، وبالطبع فشل الفيلم..
أزمة الإنتاج
المشكلة الكبرى هي أن سعد في أول عمل درامي له، بعد كل هذه الفترة في السينما، قرر إنتاج العمل بنفسه، وتعاون مع صديقه جمال عبد الحميد مؤلفا ومخرجا للعمل، ما الذي حدث، اختلف مع جمال عبد الحميد، وترك جمال عبد الحميد المسلسل دون أن يكمله، ولم يصور 60 مشهد كاملين من المسلسل، ومنى المسلسل بخسارة مادية، وانتقاص من شعبية سعد الذي كان يمكنه استغلال بريقه في التلفزيون بشكل أفضل.
ينجح سعد في تتح، فيغامر بمسلسل فيفا أطاطا والحقيقة كان مسلسل جيد جدا، لكنه لا يكمل الوتيرة، فيقدم جزء ثاني لشخصية تتح في حياتي مبهدلة، في فيلم يمكن اعتباره من أسوا أفلام محمد سعد، ثم يذهب لتقديم تجربة تلفزيونية بعنوان وش السعد بشخصية بوحة الصباح، كانت ثقيلة الظل، بشكل لا يطاق، ولا يتم استدعائها نهائيا، اللهم أنه حمل هيفاء وهبي في الحلقة الأولى منه، وعرض على هيفاء مشاركته في بوحة 2 لكنها لم تتحمس للفكرة..
ثم يعود بفيلم ينافس حياتي مبهدلة في السخافة بفيلم “تحت الترابيزة”، وشخصية حنكو عبد الرحمن، شخصية ضعيفة، وفيلم مفكك ومونتاج ضائع، فلم يحقق أي نجاح..
لكن طوق النجاة لسعد كان عبر موسم الرياض، وتقديم أكثر من عمل على موسم الرياض، لم نشاهدهم لنحكم على جودتهم..
اللي حضر العفريت
كان السؤال من القادر على إخراج محمد سعد من عباءة اللمبي، فكان شريف عرفة صانع شخصية اللمبي، الذي رشحه لدور بشر في فيلم الكنز، بالنسبة لي لست منبهرا بقما قدمه في فيلم الكنز، فما يقدمه محمد سعد في اللمبي أصعب بكثير، وأي ممثل مسرحي أو خريج المعهد يمكنه تأدية شخصية بشر، لكن حصل المراد وحقق سعد نجاحا قويا.. فماذا فعل؟
ذهب وقدم فيلم محمد حسين والذي حقق 4 مليون جنيه إيرادات، وبحسابات التصخم، قارن الفارق الهائل بين إيرادات محمد حسين واللمبي، تآكل ونقص حاد في شعبية محمد سعد، أثرت تجربة محمد حسين على فيلم الكنز2 الذي حقق 6 مليون جنيه، لكن للأمانة لا يتحملها محمد سعد، الفيلم كان به مشاكل كثيرة يمكن أن نفرد لها مقالا…
ثم الكانت الطامة الكبرى بمسلسل أكس لانس، مستحيل أن تجد 10 أشخاص شاهدوا مسلسل أكس لانس، شعر سعد بالزهق من تدخلاته في عمل المخرجين، فقرر أن يكون ورشة كتابة ويكتب هو المسلسل، ويعيد شخصية الحناوي من فيلم كركر للحياة، ويا ليته ما فعل، المسلسل عُرض على قناة المحور، وهو المسلسل الوحيد الذي لن تجده على المنصات، مع مخرج لم يحقق أي نجاح قبل المسلسل، وكان محمد سعد بائسا للغاية في العمل، حيث أن المشهد الوحيد الذي تابعه الجمهور لسعد من المسلسل، كان مشهد من كواليس المسلسل يكيل محمد سعد اللعنات للعاملين معه..

ثم يجئ سعد بشخصية الدشاش، شخصية درامية في فيلم أكشن درامي بعيدا عن الكوميديا، وفي رأيي وبعد رؤية إعلان وبوسترات الفيلم، فالفيلم سيكون فشلا جديد لمحمد سعد، فكرة التغيير من كوميدي لتجريدي لا تحدث عندما تكون أسهمك بهذا الشكل، تحتاج لصنعة.. فمكي عندما أراد أن يتخلى عن الكراكتر، ظهر بملامحه الحقيقية في بداية فيلم لا تراجع ولا استسلام كتجربة في أول 10 دقائق من الفيلم، ولا يمكن القياس على عادل إمام الذي قدم المشبوه وهو نجم كوميديا، فعادل إمام حالة خاصة أولا، والفيلم لا يمكن اعتباره من أنجح أفلام عادل إمام في شباك التذاكر، كما أن كاست فيلم المشبوه أكثر من رائع، ويكفيه سعيد صالح وسعاد حسني… لكن ما شاهدته لا يبشر إلا بفشل جديد… عن نجم طالما أمتعنا، لكنه افتقد البوصلة، افتقدها، فأصبح يخرج من نقرة لـ “دحديرة”، ممنيا النفس نجاح جديد، وما أن يحدث النجاح يدمره بعمل أقل بكثير.. في تطبيق حرفي لقاعدة الاحتراق الذاتي..