
في إهداء رواية لا تطفئ الشمس، كتب الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس: “إلى السيدة التي عبرت معي ظلام الحيرة والحب في قلبينا، حتى وصلنا معاً إلى شاطئ الشمس والنور، الي الهدوء الذي أراح ثورتي، والصبر الذي رطب لهفتي، والعقل الذي أضاء فني، والصفح الذي غفر أخطائي، إلى حلم صباي، وذخيرة شبابي، وراحة شيخوختي، إلى زوجتي، إلى الحب في قلبينا”…
هذه باختصار كانت علاقة لولا، أو لواحظ عبدالمجيد المهلمى، والكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، الذي يصفها إحسان قائلا: “رئيس مجلس إدارة حياتى، تدير شؤوني، صغيرة وكبيرة، وأنا لا أعرف عن حياتي بقدر ما تعرف هى”.
وقصة إحسان ولولا هي واحدة من قصص الحب التي تستحق أن تروى..
تقول نرمين القويسني (ابنة شقيقة لولا وسكرتيرة إحسان عبد القدوس)، في حوار لروز اليوسف مع الأستاذ خالد حماد: “عرفته وأنا طفلة لم أكمل بعد الثمان سنوات، كان في ضيافتنا “أحمد جعفر”، “إحسان عبد القدوس” لتناول طبق العاشوراء. وعلى إحدى حوائط صالون البيت كانت هناك ثلاث صور كانت أحدهم لـ”لولا” فسألني من هذه قلت له خالتي، طلب مني أن يراها، في هذا الوقت كانت خالتي عند صديقة لها، فذهبت إليها وأتيت بها ليراها “إحسان عبد القدوس”. بعد ما شاهدها طلب مني ورقه وقلم، ليكتب في الورقة رقم هاتفه وعنوانه، وهو خارج من البيت سلم علينا ووضع الورقة في يد “لولا” لتقوم بتقطيعها فور خروجه.
بعد يومان من الواقعة، لم تتصل لولا، ذهب إحسان إلى صديقه أحمد جعفر يروي له أنها لم تطلبه، وطلب منه أن يعرف رأيهم فهو يريد أن يتقدم لخطبتها، فاتصل أحمد جعفر بشقيقة لولا “والدة نرمين القويسني”، وحكى لها ما يريده إحسان وذلك بعد أن عرفها بأن والدته فاطمة اليوسف الممثلة والصحفية المعروفة، فطلبت منه أن ياتي إلينا البيت، وبالفعل جلس إحسان إلى لولا وأعجبت به،
لكن ما حدث أن خال لولا، رفض تماما تلك الزيجة والسبب وراء ذلك صفة روز اليوسف كممثلة، ونفس رد الفعل جاء من روز اليوسف نفسها، بالرفض وكانت ترى أنه مازال الوقت أمامه؛ فكل صحفيي روز اليوسف ما زالوا لم يتزوجوا ومنهم الكبار كامل الشناوي.
أما احمد عبد القدوس الابن الثاني للكاتب إحسان عبد القدوس، فيقول في حوار للمصري اليوم: “قصة حب والدى ووالدتى حدثت فعلا من النظرة الأولى، عندما ذهب مع أحد أصدقائه “أحمد جعفر”، وتناول «طبق العاشوراء»، وكان صديقه صديق عائلة «المهلمى»، وأثناء تناول العاشوراء شاهدها وأعجب بها وترك لها تليفونه الخاص، وتطورت علاقتهما إلى حب ثم طلب يدها للزواج، وأبلغ روز اليوسيف بطلبه الزواج، ولكنها رفضت بشدة قائلة: «مفيش صحفى بيتجوز أنت كده هتضيع مستقبلك»، ولكنه لم ييأس وذهب إلى جدى محمد عبدالقدوس الممثل والكوميديان الرهيب الذي لم يأخذ ما يستحق من شهرة، فسعد بالأمر جدا وترك لهما شقته الصغيرة فى عابدين، وكانت فى ذلك الوقت فرصة إيجاد شقة أمر صعب بسبب الحرب العالمية الثانية.
يقول إحسان عن زوجته: “ووصفها: “سمراء تميل قليلًا إلى القصر، تشد شعرها الأسود فوق رأسها وتعقصه إلى الخلف كأنها تحمل تاجا توجها به الليل من فرط احترامه لها، وجهها مريح ليس جميلًا ولكنه مريح، تحب أن تنظر إليه ولا تشبع من النظر إليه، وتشع من حولها شخصية قوية وذكاء طيبا وحبا هادئا”.
وبسبب رفض الاسرتان، كان زواجهما سريا، وكان أشقاء لولا يعرفون بالزواج، وشهد على عقد الزواج الصحفى الكبير محمد التابعى دنجوان عصره والذي لا يمكن حصر العلاقات العاطفية مع المشاهير التي خاضها، حتى أطلق عليه ”دنجوان الصحافة” واحدة من هذه القصص كانت قصة حبه لاسمهان ، وبعد فترة تم إعلان زواج لولا من إحسان وارتدت فستان الزفاف، وارتدى إحسان بدلة العريس ومكثا بمنزل بالزمالك.
لكن السعادة لا تدوم
بحسب رواية احمد إحسان عبد القدوس: “والدتى أحبت والدى لدرجة فوق الوصف، وكان يحبها حبا كبيرا، ودائما يقول «لولا حبى الأول والأخير»، وبعد ثورة 23 يوليو، كتب والدى مقالته الشهيرة «الجمعية السرية التى تحكم مصر».
إحسان كان صديق عبد الناصر، وساهم في هروب السادات من قضية مقتل أمين عثمان، وكان إحسان ينادي جمال عبد الناصر بـ “جيمي”، بحكم الصجاقة، لكن سجن إحسان بعد نشر المقالة، لم تسكت لولا على سجنه، وحاولت بكل الطرق أن تصل إلى تليفون جمال عبدالناصر، وبعد محاولات طويلة وصلت إليه وقالت لعبد الناصر:
لماذا تم سجن إحسان، هو لا يملك غير قلمه وليس لديه طموح سياسى، وحاولت أن تحنن قلبه بأننا فى شهر رمضان والعيد قادم علينا وأولادة يريدونه، وكان رده عليها: «هنشوف».
خرج إحسان عبد القدوس من السجن وبينه وبين عبد الناصر شيئا انكسر، فتوقف عن قول جيمي، وأصبح يناديه الريس عبد الناصر،
تعرض إحسان لمحاولات قتل، كما يقول ابنه: “وفى مرة دخلت عليه ورأيت رأسه مربوطة بشاش أبيض، وبعدها قامت الحكومة بإعطائه مسدسا صغيرا ليحمى نفسه، وكان الشىء اللافت أن والدتى هى التى كانت تمسك المسدس وتضعه فى حقيبتها، وكانت دائما تقول له «امشى قدامى» وهى ماسكة المسدس لتحميه، وكانت مستعدة أن تضغط على الزناد فى أى وقت لإنقاذ حبيبها وزوجها”.
ارسل إحسان لـ لولا أكثر من خطاب من سفرياته.. نعرض منها ما وجدناه
الخطاب الأول
«أكتب لك من فوق برج إيفل وباريس تحت أقدامى، تمنيت لو كنت معى لترى ما أراه من جمال وروعة، وقد هتفت باسمك من فوق أعلى قمة في أوروبا، فهل سمعتينى، بحبك وتشهد على ذلك باريس.. زوجك إحسان عبدالقدوس».
الخطاب الثاني
«أنت وأنا ولدنا اليوم ولم تكن لنا حياة من قبل، ولن تكون لنا حياة إلا معا.. أنت كل الحياة وحبى «سانو.. نوفمبر 1970» .
علاقة إحسان بابنه
لإحسان عبد القدوس ابن صحفي ينتمى للتيار الإسلامي، هو الأستاذ محمد عبد القدوس، وانضم لجماعة الاخوان المسلمين، يقول احسان: ““أتعبت ابني وأتعبني، ولم يجد محمد حريته ولم يتقدم في عمله بأخبار اليوم إلا بعد أن تركتها أنا”، ويُقال ان علاقة محمد بوالده كانت هي السبب في كتابة لن أعيش في جلباب أبي.
وفي صورة نادرة، كشفت عنها الصفحة الرسمية للكاتب إحسان عبد القدوس، ظهر فيها بجوار زوجته لولا، عقب ولادة ابنهما محمد، الذي ولد عام 1948، وتحمله والدته وينظران إلى طفلهما.
هكذا كانت قصة حبهما التى دامت 47 عاما، حيث بدأت من سنة 1943 واستمرت حتى رحيل إحسان فى سنة 1990م، لترحل هى عن عالمنا بعد 4 سنوات من رحيله، ليظل حبهما خالدا حتى وارى جسدهما مثواهما الأخير.
أما الشاهد من داخل مقبرة عائلة إحسان عبدالقدوس، مكتوبا عليه «من إحسان إلى لولا.. إلى السيدة التي عبرت معي ظلام الحيرة، والحب في قلبينا، حتى وصلنا معا إلى شاطئ الشمس، إلى الهدوء الذى صان لي ثورتي والصبر الذى رطب لهفتي، والعقل الذى أضاء فنى، والصفح الذى غسل أخطائي إلى حلم صباي وذخيرة شبابي وراحة شيخوختي إلى زوجتي والحب في قلبينا».
وكشف القائمون على إدارة حساب مهتم بأخبار الأديب والكاتب الكبير، عن آخر صورة نادرة للأديب الراحل مع رفيقة عمره وزوجته لولا، التى كانت على متن باخرة نيلية بين الأقصر وأسوان، قبل وفاته بنحو 11 يوما وتحديدا يوم 31 ديسمبر 1989.
توفي الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس في 12 يناير 1990.